مهرجان (تركيب بغداد للفنون) في نسخته الثامنة أفكار حوَّلت المهمَل إلى مادة تستوقف المتلقي

386

زياد جسام /

انطلق قبل أيام مهرجان (تركيب بغداد للفنون المعاصرة) في دورته الثامنة، واستمرّ لمدة أربعة أيام متتالية، بمشاركة 19 فناناً وفنانة من شباب العراق. حضر الافتتاح نقيب الفنانين العراقيين د. جبار جودي، الذي كان من الداعمين لهذا المهرجان.
كما حضرت بعض الهيئات الدبلوماسية في العراق، ومنهم السيد سكوت بولز مسؤول قسم الشؤون الإعلامية والثقافية الأمريكية، والملحق الثقافي الأمريكي في العراق السيد غريغوري، والسفير الفرنسي في العراق السيد إيريك شوفالييه، وغيرهم من الشخصيات الفنية والثقافية والمهتمين بالفن..
كانت لمهرجان (تركيب بغداد) في هذا العام نكهة خاصة مختلفة جذرياً عن تلك النسخ السابقة، فقد سعت مديرة بيت (تركيب) الألمانية (هيلا ميويس) الى أن يكون هذا المهرجان مختلفاً في كل النواحي، ومنها المكان، فقد أقيمت هذه الدورة على مساحة بيت تراثي في شارع الرَّشيد وسط العاصمة بغداد، حيث عرضت الأعمال المشاركة في طابقين من المبنى البغدادي، وكانت الأعمال متنوعة بين التركيبية والمنحوتات والصور الفوتوغرافيّة واللوحات والفيديوات والرسوم المتحركة والعروض الأدائية، بالإضافة إلى منحوتات الواقع المعزز وتجارب في الواقع الافتراضي.
تعوّد جمهور المهرجان أن يجد من خلاله ما يخص الفنون المعاصرة التي تخرج عن المألوف، وتمازج بين الأفكار والمواد والبصريات في محاولة لخلق فضاء فني قائم بذاته، ينطلق من واقعه إلى المتلقي بحمولات مجتمعية تعبّر عن الواقع المعاش، وبالطريقة التي يبتدعها الفنان عبر وسائله المختلفة، سواء بالأعمال التركيبية التي يجري من خلالها تقديم العمل الفني عبر تركيب ودمج مواد مختلفة متعددة الأنواع والاستخدام، أو عبر الأعمال (المفاهيمية) التي تستند إلى تنفيذ العمل الفني بصورة مباشرة، التي تحاول المزج بين العالمين الواقعي والافتراضي.
سنعرج – بشكل مختصر جداً- على أفكار الفنانين والفنانات المشاركين في هذا المهرجان:
زيد سعد: قدم هذا الفنان الإصدار الرابع من سلسلته النحتية بالخرسانة، طرح من خلاله في هذا المعرض موضوع (كونكريت) عن الهجرة وعدد المهاجرين في العالم، متسائلاً هل أن فرصة العيش المقدمة للاجئين هي فعلاً فرصة نجاة أم أنها مجرد قناع لعبودية جديدة؟
عاطف الجفال: القلق هو الشعور بالخوف والرهبة وعدم الارتياح، في عرضه الأدائي بعنوان (قلق الاطفال) يتناول عاطف الجفال التجارب التي مررنا بها في طفولتنا، التي لها تأثير نفسي على الشخص. بالنسبة له هي مثل السلاسل التي نحصل عليها في مرحلة الطفولة.
حسام محمد: استخدم مادة الحديد في عمله، وقدم منحوتة وضعها في الفناء (بيت الشناشيل)، المنحوتة تعكس في تركيبها المراحل التي يمر بها المريض وعائلته قبل مرحلة العلاج الطبي إن جرى ذلك.
مهند طه: عمله (المشاك) مستوحى من الطبيعة والبيئة، إذ حول غرفته إلى مساحة عامة للزوار يتفاعلون في داخلها مع الطبيعة، ويبتعدون عن ضجة المدينة والأجواء الملوثة، من خلال تغطية أرضيتها برمل الساحل الذي جاء به من شواطئ دجلة، ليسلط الضوء عليها ويقول: تعالوا نستغل هذه النعمة الموجودة في مدينتنا والمتروكة دون أية فائدة.
حسين مطر: ألف قصة وقصة، هي سلسلة صور اشتغل عليها، بين مناظر المدينة المعمارية والمعالم السياحية في بغداد وتقديمها كمقارنة بين الماضي والحاضر، فهو يختار صورة من الماضي ويلتقط نفس الصورة في وقتنا الحالي بنفس الزاوية والمنظور.
صادق كرمانجي: عمله الفني عبارة عن تركيب مشترك من جزءين: واقعي ومنحوتة من واقع معزز، يتحدث من خلال هذا التركيب عن مدى تأثير الناس على المولود الجديد من خلال آيديولوجياتهم وأفكارهم الشخصية.
سرهند خالد: فنان من السليمانية قدم فيديو رسوم متحركة بحجم كبير، يتحدث من خلاله عن البشر، كيف فقدوا اتصالهم بهندسة المدينة.
أمير أكرم: أخذ المهور إلى غابة خيالية مسلية من العالم الافتراضي.
عائشة شبيب: شاركت بعمل نحتي يوضح معمارياً نقيض الحياة والموت، الذي يبين حقيقة خافية عن الجميع وهي: هل أننا فوق أم في الأسفل؟
زينة كريم: كان عملها المشارك مؤثر جداً، فقد وظفت فستان أمها في عملها التركيبي الجديد، الذي يمثل روح أمها الغائبة، التي توفيت قبل فترة من الزمن، علقته وسط الغرفة التركيبية وبثت عنه فيديو يوثق صور عائشة وهي تتجول في طرقات بغداد القديمة التي كانت تزورها بصحبه أمها الراحلة.
فرقان محمد: اشتغل على قضية فلسفية، إذ تناول موضوعه التفكير الزائد عن اللازم، ما يجعلك تشعر بأن رأسك ثقيل جداً وأن جسمك أخف وزناً، وهذا يدلل على أنك تتمركز بعقلك المفكر أكثر من جسدك الحسي.
علي زياد: قدم ثلاثة منحوتات سيريالية عبارة عن أعواد معدنية مضيئة بسبب انفجارها. تمثل هذه الأعواد مواد البناء المستخدمة في تركيب الشناشيل وتوجد في ثلاثة أماكن مخفية ضمن التصميم المعماري للبيت.
نور عبد علي: رسمت لوحة تعكس معاناة امرأة عراقية وهي تتجول في المدينة حيث تواجه أسئلة من أشخاص لا تعرفهم.
جمانة رضا: حاولت أن تعكس بطريقتها التركيبية كل حياتها منذ طفولتها وحتى الوقت الحاضر.
هاجر قصي: تقدم هاجر نفسها في عرض أدائي، وتدعو إلى المزيد من التسامح وقبول مشاعر المرأة، في غرفتها التركيبية تواجه مشاعر الخوف والألم مع ما يشعر به الجمهور.
ديار زياد: حمل عمله عنوان (عندما يُجابه المثقفون الجَهل)، يقول في رسالته: في كل الحروب التي تدور رحاها، العدو الجاهل دائماً ما يكون حَذِراً من المثقفين، ويحاول التخلص منهم بشتى الطرق، علماً أن المثقفين لا يملكون أسلحة إلا الفكر، والجبهة التي سلاحها العقل ستنتصر حتماً.
لؤي الحضاري: عمله النحتي التركيبي جاء بعنوان (اسأل العبيد لماذا ركعوا؟) وهو مبني على حكاية عن ستالين ودجاجة.
لواء الحساني: قدم سلسلة من عشر صور لمشاهد الحياة اليومية في شوارع بغداد، الحياة المدنية في بغداد صعبة، جميعها بالأسود والأبيض، لكن كل صورة تحتوي على عنصر باللون الأحمر.
من خلال ما قرأناه في هذا المهرجان، توصلنا إلى أنه استطاع فعلاً أن يستنطق -عبر أعماله المختلفة- كل ما يعتبر أنه واقع خارج حدود الفن، جاعلاً من (المهمَل) مادته في التكوين الفني ومدخلاً لفهم العلاقة المشتركة ما بين المتضادات، كاشفاً عن الفنية المهملة الموجودة في الأشياء، عبر دمجها وتركيب بعضها ببعض.