عَثرة بدفرة

594

خضير الحميري /

تعبير عراقي فريد يصعب أن نجد ما يماثله في اللغات واللهجات الأخرى، أذكر اني سمعته لأول مرة قبل خمسين عاما على لسان المعلق الشهير مؤيد البدري وهو يصف دخول الكرة الى المرمى بعد أن تعثر اللاعب وإصطدمت الكرة بالعمود ثم عادت لتصطدم بظهره وهو (منجطل) وتدخل المرمى من دون أن يدري ، وحين أتأمل الكثير من تفاصيل حياتنا التي يغيب عنها التخطيط ويتحقق فيها بعض النجاح (من دون أن ندري) أجدها انعكاسا أمينا لهذا التعبير، ثم إن شوارعنا وأرصفتنا بحد ذاتها تساعد على التعثر، بل هي مصممة لهذا الغرض، فنحن نتعثر من الصباح الى المساء مع ما ينتج عن هذه العثرات من دفرات عشوائية خائبة، قد يصاحبها نزر يسير من الدفرات الصائبة التي تنجح في إدخال الكرة الى المرمى..
وبهذا المثل الشائع نثبت أننا شعب إيجابي ينظر دائما لنصف أو ربع الكأس الملآن، ولا يحفل بالنصف الفارغ، فنحن لانهتم بالعثرة أو العثرات التي تدمي أقدامنا ونعتبرها تحصيل حاصل للجري المتواصل خلف لقمة العيش، وإنما نهتم بالدفرة التي تحقق الهدف وتشعل التشجيع في المدرجات.
فالعثرة بدفرة هنا ليست شتيمة أو انتقاص من همتك ورغبتك في التقدم الى أمام، وإنما هي منهج تفاؤلي يقوم على الصراع الأزلي بين المحظوظ والمنحوس داخلك، وعليك أن تتخيل نفسك دائما بأنك أنت المحظوظ الذي سوف تنقله (دفرة لا على التعيين) من حال الى حال.
فالمعاملة المتعسرة المثقلة بالأختام والهوامش ننجزها عثرة بدفرة، والطالب الذي لم يتسلم الكتب ولم يستوعب المنهج ولم يجد (رحلة) يجلس عليها ينجح عثرة بدفرة، و مدربو منتخباتنا الوطنية يعتمدون في المنافسات الأقليمية والقارية بشكل أساسي على خطة (ع.ب.د)، وحين تسأل رب الأسرة الذي يتمتع بتقاعد الحد الأدنى و يدفع إيجار الحد الأعلى ويسدد حساب أبو المولدة ويعيل خمس نفرات تدرك من دون إجابة بأن حياته عبارة عن عثرة بدفرة، ولا تذهب بعيدا عزيزي القارئ..فان الخطط السنوية والخمسية والعشرية للدوائر والهيئات والوزارات هي الأخرى مستمدة من فلسفة.. عثرة بدفرة!