هل يتمكن الطب من القضاء على الموت ؟ حين يقترب العلم من تحقيق حلم الخلود..

1٬799

يوسف الاشيقر/

سيناريو بين الطب والعلم، لكنه يبدو أبعد حتى من الخيال.. لا يتعلق الأمر فقط بالقول أن الطب والعلم سيتمكنان بعد بضعة عقود من القضاء على جميع مسببات الموت، وإدامة حياة البشر الى مالانهاية، إنما الأبعد خيالاً هو إعادة الأموات الى الحياة من جديد.

ليس في هذا الموضوع، الذي خص به “الشبكة” الباحث الدكتور يوسف الاشيقر، أي إنشاء زائد، أو هرطقات، أو تصورات خارج نطاق الطب والعلم، لذلك سنقرأ بدهشة ما لم نكن نعلمه من قبل عن التطورات الجديدة وغير المسبوقة في هذا الميدان.
وقد تشكّل هذه البحوث العلمية الجديدة أجوبة تعضد المؤمنين من سائر الأديان حين يجابههم البعض بأسئلة عن أعمار الأنبياء كنوح الذي عمّر ألف سنة أو المسيح الذي لم يزل حياً أو الخضر الذي لم يزل حياً هو الآخر منذ قرون.

مفهوم الحياة والموت من وجهة النظر العلمية والطبية يختلف كلياً عن المفهوم الديني التقليدي الشائع, كما تختلف كل المفاهيم الأخرى تقريباً. لكن المشترك الوحيد بين العلم والدين هو الإيمان بوجود وحتمية الحياة بعد الموت وتحقيق الخلود.

ليس على مبدأ الروح أو إعادة تجسدها أو بعثها ثانية في عالم خيالي آخر كما يقول بلا أي دليل كل التقليديين والكتابيين والمتدينين بأنحاء

العالم, وإنما بنفس أجسادنا أو بنسخة مطورة منها وعلى هذه الكرة الأرضية نفسها وخلال عقود قليلة, كما يقول العلم المعاصر, وعبر القضاء نهائياً على الموت. فخلال السنوات الأخيرة توسع فهمنا لمبحث الحياة والموت بيولوجياً وتكنولوجياً من المستوى الجزيئي إلى الخلوي فالأعضاء والكائن ككل. وكثير من المسلمات حتى نهاية القرن الماضي أصبحت الآن في خبر كان وألغتها بحوث واكتشافات بين عام 1995 الى منتصف هذا العام 2016, حصل بعضها على جوائز نوبل وبعضها متداول بين الوسط العلمي ولم ينتشر بين العامة.

علمياً فإننا أكملنا كل الأدلة والنظريات والمفاهيم ومعظم الآليات والتقنيات المطلوبة للتالي:

1- إطالة الحياة ووقف الشيخوخة والموت.

2- عكس عملية الموت مباشرة بعد حدوثها.

3- استبدال الأعضاء وربما كامل الجسم البشري

.4- إحياء الأموات المدفونين من بقاياهم البيولوجية.

5- حفظ الذاكرة واسترجاعها.

6- تحديد جدول زمني مستقبليّ مبدئي لكلّ هذه التطبيقات.

ولكنّ العائق الأكبر والأهم أمامنا حالياً هو الجانب الاجتماعي والفلسفي والأخلاقي المصاحب والمطلوب إنضاجه عالمياً حتى يتعمق ويتجذر ولا يُساء استخدام هذه التقنيات ولا يتم احتكارها, بما يضمن مساواة الفرص بين البشر جميعاً وبما لا يهدد موارد الأرض خاصة إن تطورنا بعلوم

الفضاء والفلك, الضرورية في عصر الخلود, لم يصل بعد للمستوى المطلوب بسبب تكاليفه المادية العالية.

لقد تطور المفهوم المادي (وبالتالي التطبيقي) لتفسيرنا البيولوجي لعمل ووظائف وحياة وموت أجسادنا عبر مراحل أسميها مراحل نزع القدسية. دارون في نظريته للتطور لعام 1859 التي اثبتتها كل الأبحاث العلمية لاحقاً، كان أول من رفع القدسية والمرتبة الخاصة التي كان ينظر بها الإنسان وحتى العلم إلى نفسه.

فوجود أصل مشترك للإنسان مع القردة وكل باقي الكائنات هدم أركان نظرية الخلق الخاص وبالتالي صار الإنسان ظاهرة طبيعية نعاملها ونتحكم بها مثل باقي الظواهر الفيزيائية بعد أن كان يظن أنه ذو تصميم فريد ومحكوم بإرادة خارجية.

يوري وميللر قاما عام 1952 بتجربتهما الرائعة التي تمكنا من خلالها من تصنيع المواد العضوية الأساسية لأجسامنا كالأحماض الأمينية من مواد بسيطة هي نفسها المنتشرة على الأرض في بداية تشكلها وظهور الحياة. فرفعا القدسية والسحر عن المادة المكونة لحوالي 40% من أجسادنا, إذ أن الباقي هو الماء.

في التسعينات الماضية تم رفع القدسية عن الخلايا نفسها المكونة لأجسادنا. ففي تموز عام 1996 ولدت النعجة دوللي من حقن نواة لخلية تكاثرية داخل خلية جسدية نزعت منها النواة، وبعد زراعة الخلية المخصبة في رحم نعجة ثالثة أمكن لأول مرة توليد كائن تام منسوخ قابل للتكاثر بطرق الهندسة الخلوية. والآن في 2016 يتم توليد 500 كائن جديد مستنسخ يومياً وبنفس الطريقة في كوريا الجنوبية وحدها. كما تم في التسعينات على يد علماء يابانيين تكسير أنواع مختلفة من الخلايا, أي قتلها, ثم إعادة تجميعها فأكملت حياتها طبيعياً.

أنا شخصياً قمت بنفس الفترة بتكسير خلايا الدم البشرية وإعادة لحمها مع إضافة مكونات من خلايا مختلفة فعادت لها الحياة, بل وعاشت أكثر من الطبيعي. وبهذا رفع العلم القدسية عن جسد الإنسان ككلّ وعن أجزائه واحداً بعد آخر.

إطالة الحياة ووقف الشيخوخة

تصاعد معدل الحياة والبقاء هو ظاهرة عالمية وواضحة. فنحن بالفعل وبتقنياتنا الصحية والطبية التي أصبحت قديمة نسبياً بمفهوم اليوم, تمكنا من رفع معدل حياة الإنسان من 31 عاماً سنة 1900 إلى حوالي 70 عاماً هذه الأيام. أي ضاعفنا العمر المتوقع لأي طفل مولود خلال قرن واحد.

بالتاكيد ومنطقياً مع تطور اكتشافاتنا وتقنياتنا وابحاثنا سنضاعف هذا الرقم أضعافاً مضاعفة في المستقبل حتى بتحديث بسيط لنفس الأساليب والعلاجات القديمة. فما بالك بالتطورات الجديدة والقفزات الهائلة الممكنة؟ ولكن متى بالضبط وما هي أهم الاكتشافات الحديثة بهذا المجال؟

ربما أهم حدث بهذا الأمر حصل عام 2014 عندما اكتشفنا أن تسلسل الموت الخلوي (المبرمج كما كنّا نسميه سابقاً) والذي نعرفه منذ فترة طويلة يبتدئ من خارج نواة الخلية وليس من داخلها.

ويبدو اننا كبيولوجيين أضعنا عقوداً من الزمن نبحث عنه في المكان الخطأ, وهو نواة الخلية, ربما متأثرين كحال غيرنا بمفهوم المركزية في الكون والذرة, وهو من رواسب النظريات التقليدية, لنكتشف الآن أنه في الأطراف وليس المركز.

إن انخفاض مستوى أحد مركبات النيكوتين, نعم نيكوتين السيجارة, في السايتوبلازم هو الذي يشعل فتيلة سلسلة الموت الخلوي. وإذا حافظنا على مستوى هذا المركب NADH عالياً وثابتاً داخل الخلايا فهي لن تموت. وإذا لم تمتْ الخلايا بكل جسم الإنسان فهو لن يهرم ولن يموت أيضاً. بتصوري إن الحدث الصحي الأهم في السنوات القادمة هو تطوير وتوفير نسبة من هذا المركب وأشباهه في كل وجبات الغذاء وحتى ربما في مياه الشرب, كما أضفنا سابقاً الكلور إلى كل ماء شربنا منذ عام 1893 والفلور عند البعض منذ 1945. وهذا سيطيل العمر بصورة غير مسبوقة وربما يقضي نهائياً على الموت الطبيعي للإنسان وحيواناته الداجنة.

إلغاء أسباب الموت

كل حالة وفاة (غير الحوادث, بل وحتى الحوادث) لها أسبابها العلمية التي يمكن نظرياً وفعلياً علاجها. ونجحنا في القرن الماضي عموماً في القضاء على نصف مسببات الموت الطبيعية. وبقي لنا نصف (مع بعض الأسباب الجديدة المستحدثة). لو نظرنا الى أكبر 10 مسببات لكل الوفيات في العالم هذه الأيام سنراها ضمن مجموعتين:

الالتهابات البكتيرية والفيروسية:

وهذه لنا تاريخ مشرف في كبح جماحها ومكافحتها ومعالجة آثارها، ومن المعقول جداً افتراض تمكننا من إزالتها تماماً أو 99% منها خلال عقدين قادمين, كما نجحنا مع أشباهها سابقاً.

المجموعة الثانية هي الجلطات والذبحات الصدرية – القلبية:

وهذه، مع اختلاف مسمياتها وأسبابها وتشخيصاتها فإنها في الواقع جميعها قائمة على نفس الميكانزم أو الآلية الفيزيولوجية للحدوث، وذلك بتخثر مجموعة خلايا دم في أحد الشرايين الصغيرة فيتوقف جريان الدم فيه, ومع توقف الجريان تكبر هذه الكتلة المتخثرة أكثر فتسد أحد الشرايين الأكبر المجاورة, فيتوقف وصول الدم لأحد الأعضاء كالقلب أو الدماغ أو الكلية, ومع انهيار هذا العضو تتوقف باقي الأعضاء ويحدث ما نسميه بالموت. وبعيداً عن الأبحاث التقليدية في مجال معالجة هذه الحالة والتقليل من أسبابها والتي نجحت سابقاً في التقليل منها, هناك الآن مداخل وأبحاث وتقنيات جديدة لم نشهدها سابقاً. ربما أكثرها واعدة هي النانوتكنولوجي. ويتم هذه الأيام اختبار مجسات نانو تطلق داخل دورة
الدم لمراقبة هذه الجلطات وتصويرها ومعالجتها. وخلال سنوات قليلة ستعمم هذه المجسات داخل كل البشر لتعمل 24 ساعة على وقف وتفتيت كل الجلطات حال حدوثها, وبذلك نقضي على أكثر من نصف مسببات الموت في عصرنا هذا.

عكس عملية الموت بعد حدوثها

لو فشلت كل الطرق السابقة وحصلت الوفاة (الطبيعية أو بسبب حادث) فهل نملك أية تقنية أو خبرات في إرجاع الميت للحياة؟ بالواقع نحن نقوم الآن بتقنياتنا المتواضعة بإعادة الحياة (بالمستشفيات الراقية) لأكثر من 10% من الأموات خلال دقائق بعد الوفاة. ونجحنا قبل عدة سنوات بإعادة الحياة لفتاة بعد 3 ساعات من وفاتها غرقاً. وسنطور قدراتنا كثيراً بمجال الأعضاء الصناعية واستبدال الأعضاء التالفة وتقنيات إعادة الحياة والأجنة الخلوية في السنوات القادمة, بل وحتى تجميد الميت حتى يتوفر العلاج أو العضو المطلوب. فقط في شهر آيار الماضي من عام 2016 أعطيت الموافقة لفريق من العلماء الهنود على زراعة خلايا دماغية جذعية في مخ الموتى سريرياً لإعادتهم للحياة في تقنية يعتقد أنها ستقلب الطاولة على الموت. ويدعي نفس الفريق أنهم نجحوا بالفعل في تطبيقها سابقاً بإحدى دول الخليج العربي على البشر, مع انها نجحت من دون شك في حيوانات مختلفة. وفي أميركا سيتم خلال الأشهر القادمة من عام 2016 تطبيق حقن الموتى بمحلول ملحي شبه جامد مباشرة بعد الموت ريثما يتم معالجة سبب الوفاة.استبدال أعضاء الجسم بل الجسم نفسه ربما أكثر التقنيات الساعية لتحقيق الخلود طموحاً وخيالاً وأصعبها للتحقق هي الـ”آفتار” Avatar. لانتكلم هنا عن قلب أو كلية صناعية ولا حتى عين أو اذن رقمية تربط بالدماغ وتؤدي نفس الدور والوظيفة, وإنما عن جموح أعظم. روسيا تبنت رسمياً هذا الموضوع أولاً ولحقتها مباشرة أميركا, والآن العالم كله هو جزء من المشروع الذي يطلق عليه: موسكو 2045. تقوم فكرة هذا الموضوع على إننا كبشر بحاجة إلى تبديل أجسادنا إلى أجساد صلبة مرنة وذكية وقابلة للتشكل بحسب الظروف والحاجة. وبما أننا نستطيع وسنستطيع استبدال أعضاء من جسمنا ببديل صناعي ميكانيكي رقمي، فالأولى أن نفكر باستبدال أجسامنا كلها ببديل صناعي له مواصفات حركية وتشكلية وتكيفية وذكائية تفوق بملايين المرات ما نملكه الآن. كل أعضاء وحواس الجسم نستطيع الآن نظرياً وعملياً استبدالها ببديل مستحدث أو طبيعي إلا الدماغ. فكانت الفكرة أن نطور آلة لدماغ اصطناعي نستطيع أن ننقل (من خلال كيبل مثلاً) كل ذاكرتنا وأحاسيسنا وأفكارنا المخزنة بدماغنا إلى تلك الآلة. وإذا ربطنا تلك الآلة بالجسد المصنع الجديد وشحنّا مخ ذلك الجسد بذاكرتنا وكل مخزون دماغنا فإنه سيتحول إلى نسخة عملاقة وأرقى منا وأخلد. وقد قدروا أننا سنصل إلى هذه المرحلة بحدود عام 2045 ووضعوا خارطة طريق لما مطلوب تحقيقه خلالها. حتى هذه اللحظة كل الأمور تسير حسب المتوقع. وأمامنا حوالي 30 سنة لملء الفراغات في هذا السيناريو

الطموح الذي يبدو حتى أبعد من الخيال في عامنا هذا.

إحياء العظام وهي رميم

قد يبدو أن هذا السيناريو هو الأصعب من كل ماسبق. ولكنه بالواقع أسهل تقنياً من المشروع السابق بكثير, مع إنه أعقد أخلاقياً ونظرياً. ونحن نملك الآن بجعبتنا كل الوسائل المطلوبة لتحقيقه. فهل المقصود ان هناك ميتاً ومدفوناً من 20 سنة وأكثر أو أقل يمكن أن أعيده للحياة وأجعله ثانية فرداً منا يعيش بيننا ويأكل ويتنفس وكأنه لم يمت أبداً, وكيف يمكن ذلك؟ الجواب هو نعم وبالتأكيد. ولنستوضح الصورة الكلية أولاً! سنصل علمياً خلال عقود إلى وقف الموت والقضاء عليه نهائياً, وسنقرر نحن الخالدين, أو ربما ابناؤنا الباقون حينها سيقررون في يوم ما, ربما باستفتاء بشري عام أو شخصي أو تنافسي, الحاجة لإعادة الأموات للحياة بعد أن يكونوا قد جربوا الأمر مع عدة حالات هنا وهناك. فإعادة الأحياء من جيل الآباء الأموات مثلاً سيتبعها مطلب إعادة إحياء الأجداد.. وهكذا. واتخاذ مثل هذا القرار المصيري الفارق في تاريخ البشرية

بالمستقبل ليس من السهولة بمكان. وعدا موضوع المساواة بهذا الحق وتكاليفه ومن يتحملها فهناك موضوع موارد الأرض وطبيعتها وحقوق الأحياء عليها والأموات أنفسهم. فلو فرضنا، بعيداً عن التفاصيل الفنية, أنني أستطيع أن أحيي جدي لأبي الذي مات قبل 70 سنة هو وزوجته التي لا أعرف حتى اسمها, فأين سيسكن هذا الجد وما العمل الذي سيزاوله ليتكفل مصاريفه وما خبراته أصلاً التي تؤهله للعمل في
مجتمع يفوق كل ما تعلمه بحياته في 70 سنة؟ أما فنياً فنحن كبشر عاقل قادرون بتقنياتنا لعام 2016 أن نحيي أي ميت ما دامت عظامه معروفة ومدفونة. فداخل العظم هناك حجيرات مغلقة وجدت بها خلايا عظمية سابقاً تحمل كل جينات الشخص الجسدية بداخلها. ومع الموت جفت هذه الخلايا وفقدت ماءها لكن باقي مركباتها ظلت كما هي، خاصة الشفرة الجينية في نواة الخلية. ومنذ 30 سنة نحن نملك أجهزة إعادة إنتاج ملايين النسخ من أية مادة جينية, فتكفينا خلية جافة واحدة داخل عظم واحد من عظام الميت (حتى قبل مئات السنين) لإعادة إنتاج كل جينات هذا الميت بأي عدد من النسخ المطلوبة. نضع هذه النسخ داخل نواة, والنواة داخل خلية تكاثرية نزرعها برحم بشري طبيعي أو صناعي
لنعيد إنتاج نفس الميت ولكن الآن بنسخة طفولية منه. يتبقى عندنا فقط موضوع الذاكرة.

إعادة الذاكرة

يمكن تقسيم البشر بهذا المجال إلى مجموعتين. الأولى هي بشر ما بعد عصر الإنترنت: وهؤلاء لهم الكثير من الذاكرة والصور المحفوظة سواء بحساباتهم بالفيسبوك أم بباقي مواقع التواصل الاجتماعي أم بحسابات أبنائهم وأحفادهم. فإذا فرضنا أننا قررنا إعادة شخص مات اليوم للحياة, فسيكون بعد 9 أشهر طفلاً حديث الولادة تربيه عائلته من جديد حتى يكبر. وأثناء ذلك يتم تلقينه عن حياته السابقة مع اطلاعه على الآثار والصور التي تركها بحياته فيسهل عليه مع الزمن تبوأ نفس الدور الذي كان يلعبه. أما الموتى قبل عصر الانترنت فستكون المهمة أصعب معهم. ولكن بكل الأحوال فإن الإنسان بطبيعته يمكن تربيته وتعليمه لتقليد وتمثيل وتبني شخصية أخرى، خاصة إذا كانت هذه الشخصية هي بالأصل نفسه. كما ظهرت في السنتين الأخيرتين شركات تجارية تخزن لك ذاكرتك وصوراً دماغية فضلا عن تخزين عينات بيولوجية منك.

الجدول الزمني للوصول للخلود

آخذين بالاعتبار كل ما سبق ومع استمرار تطور العلم بنفس المعدلات الحالية فالمتوقع أن تكون هناك ثورة صحية كبرى بحدود عام 2025 تقضي على كثير من الأمراض الحالية ومسببات الموت، ولكن الإنسان سيظل يشيخ مع الزمن. بحدود 2035 سنوقف عملية هرم الإنسان وشيخوخته فيظل محافظاً على عمره ولا تظهر عليه أعراض الكبر مع الزمن. وسيصبح موت الإنسان عندها خياراً وليس قدراً (عدا مفاجآت الطبيعة). خلال الـ 5 إلى 10 سنوات بعد ذلك سنتمكن من إعادة الزمن البيولوجي لجسم الإنسان الأكبر عمراً إلى زمن مرغوب معين ربما بين العشرينات والثلاثينات. في عام 2045 وما بعده سنبدأ بعملية استبدال أجسادنا بالأفتار وننتقل تدريجياً من جسمنا العضوي الحالي إلى الجسم الصناعي الفائق الوظيفة. سنحافظ على أجسادنا القديمة (الحالية) لفترة مجمدة ومخزونة لحين الحاجة. لكننا سنتخلص منها نهائياً بعد أن نعتاد على الجسم الجديد. بمنتصف القرن الحالي سنبدأ تدريجياً إعادة الأموات من درجة القرابة الأولى لنا, والذين هم بدورهم سيعيدون إحياء الطبقة التي كانت قبلهم وهكذا. أما التكاثر حينها فسيكون على ثلاثة أنواع. بالطريقة البيولوجية الجنسية المعتادة بين ذكر وأنثى والتي توارثناها منذ ملايين السنين. أو بالتكاثر اللاجنسي على طريقة دوللي, حيث سنتمكن من صناعة نسخ مطابقة لنا cloning وهذه لها عيوبها وإيجابياتها. أو بإحياء الآباء والأمهات وآخرين وتربيتهم من جديد. في نهاية هذا القرن سنغزو الفضاء للاستقرار والمعيشة الدائمية بكواكب أخرى. وهناك سنبدأ عالمنا الجديد كما بدأنا عوالم جديدة سابقاً في الأميركيتين وأستراليا.

تساؤلات مطروحة

إذا كنتم تستطيعون إعادة إنسان ميت للحياة فلماذا لا تصنعون إنساناً جديداً أولاً ولماذا لا تصنعون ذبابة مثلاً؟ والجواب هو أن صناعة إنسان جديد بدلاً من إحياء الموتى له تبعات أخلاقية لا تحصى ولا تعد. فما هو موقع هذا الإنسان الجديد المفترض بالمجتمع؟ وهل سيتقبل نفسياً أن لا يكون له عائلة وأجداد مثل الاخرين؟ فربما يتحول إلى وحش مجرم نفقد السيطرة عليه فيقضي علينا. أما صناعة حيوان آخر أو ذبابة أو إعادة حيوان ميت للحياة, فهذه من قدراتنا الحالية ونطبقها جزئياً في الكثير من الأبحاث الجينية سواء في البكتريا أم حتى الثدييات. وتحتاج لنفس تقنيات وخبرات إعادة الإنسان الميت للحياة. والمجتمع العلمي متخوف جدا من إعلانها صراحة قبل أن يدرس ملف إعادة الأموات تفصيلياً حتى لا تثور هجمة كبرى تطالب بإعادة فلان أو علان قبل غيره للحياة، فهذا يخالف مبدأ المساواة الأخلاقي بين البشر ويستجلب ما لا يحمد عقباه إن طبق فردياً أو بلا هدف ولا إطار عام متفق عليه.

الخلاصة

سنقضي على الموت ومسبباته جميعاً خلال عقدين فقط من الزمن. وسندخل عندها مرحلة كبرى جديدة في تأريخ الإنسان وهي مرحلة الخلود. وحتى وفيات الحوادث سنقضي عليها ونعيد الحياة مباشرة لكل من يموت. وسنبدأ بإحياء آبائنا وإخواننا الميتين سابقاً وسنغير أجسادنا إلى أجساد صناعية ومتجددة ولا تعرف الموت بمنتصف القرن الحالي. المشكلة الوحيدة أمامنا حالياً هي ليست بالأساس تقنية وإنما اجتماعية وأخلاقية ونحتاج لطرق كل تفاصيلها السلبية والإيجابية وغير المعروفة. كما إن تأخرنا بميدان غزو واحتلال الفضاء سيكون عائقاً كبيراً أمام تطبيق إعادة الأموات للحياة بصورة واسعة. فموارد الأرض محدودة وعلينا استغلال كواكب أخرى حتى خارج مجموعتنا الشمسية آملين أن لا تكون هناك حياة أزلية أخرى في الفضاء سبقتنا إليها, وأن لا نتهور يوماً ونعلن حرباً نووية على بعضنا البعض تقضي علينا جميعاً, وعلى هذه البذرة الجميلة للحياة والعقل والتطور التي لا نعرف غيرها حتى الآن في كل الكون.