عَمالة الأطفال
خضير الحميري /
أعترف بأن مشهد الأطفال، من ماسحي زجاج السيارات، وباعة علب الكلينكس في التقاطعات والازدحامات، هو الذي أوحى لي بكتابة هذا الموضوع ورسم هذه الرسوم. لكني حين تأملت في الأمر، وجدت أن الأطفال يعملون في شتى الأعمال، ولاسيما في الأحياء الصناعية، بمفردهم أو مع آبائهم. لذلك يعد الكلام عن عمالة الأطفال ضربٌ من المثالية التي لا تصمد طويلاً في المحاججة. وتشير إحصاءات اليونسيف إلى وجود أكثر من 186 مليون طفل منخرطين في العمل دون سن الخامسة عشرة، وأن طفلاً واحداً من بين كل أربعة أطفال يتجه إلى العمل بدلاً عن الالتحاق بالمدرسة!
فالأب الذي يريد أن يورث مهنته لأولاده يصطحبهم معه مبكرا الى العمل رغم أنف اليونسيف، والأسرة الفقيرة ترى في طفلها، وقد تجاوز العاشرة، مصدراً مساعداً لتوفير لقمة العيش ودفع تكاليف خط المولدة، والأب الذي اضطره المرض أو الإعاقة يجد أن إلحاق ابنه بالعمل أجدى ألف مرة من إرساله إلى المدرسة.
ولو سألت أي طفل من هؤلاء العاملين عن سبب تفضيله العمل على الدراسة (وقد جربت هذا المأزق بنفسي) لأفحمك في الحجة، وردّك إلى (مثاليتك) خائباً مدحوراً. إذ لا يتمنى أي أب أو أم (إلا ما ندر) لابنهما معاناة العمل المبكر، دون وجود دوافع اجتماعية واقتصادية قاهرة. ومع ذلك توجد حالات استغلال وابتزاز، يجري زج الأطفال فيها، ولاسيما في مشاهد الاستجداء الصريح، أو العمل الاستجدائي، الذي يتمثل في إجبارك بأية وسيلة من الوسائل على دفع ثمن علكة أو علبة كلنكس أوتنظيف زجاج السيارة وغير ذلك، إذ يبدو الطفل في رأي من هيأهُ لهذه المهمة الاستجدائية أفضل أداة لاستدرار العواطف والمبالغ معا..
وما دمت قد بدأت كتابتي باعتراف، دعوني أنهيها باعتراف آخر.. فقد جربت عمالة الأطفال في سن الثانية عشرة من العمر، حين ذهبت للعمل في جني التفاح في بستان قرب اليوسفية مع مجموعة من الأطفال في عمر مقارب لعمري، على وعد أن نتسلم أجراً قدره 150 فلساً لكل منا في نهاية يوم العمل (يعادل 150 مليوناً في بورصة اليوم).. وفي نهاية اليوم طالبنا رب العمل بأجرنا فرد علينا قائلاً: خذوا بشليلكم (كنا نرتدي الدشايش) مايعادل 150 فلساً..
وكان ذلك أول بوري.. أعقبته بورياااات!