المعلم العراقي.. بين حرمان الحصار وظلم الديمقراطية

158

مجلة الشبكة  – تصوير : علي الغرباوي /

يمسك المعلم (هادي) بمرتّبه، ويحدد كل احتياجات عائلته وإياه لهذا الشهر، وقد ظهرت الحيرة على محياه بسبب غلاء المعيشة. تخبره زوجته أن مادة الرز قد نفدت، لتعود ذاكرته إلى سنين مضت، فيتذكر أيام صباه عندما كان يصاحب أباه يوماً إلى السوق، حينها يفاجأ (الطالب هادي) بسماع صوت مألوف ينادي (تمن..شكر..معجون)، وما إن يقترب من صاحب الصوت حتى يصطدم بالواقع، إذ أن صاحب ذلك الصوت هو معلمه في الابتدائية، الذي ضاعت هيبته بين المحال والأسواق.
لم يتمكن المعلم العراقي من تحقيق أهدافه في وضع الأسس الحقيقية لمهنته، فعلى الرغم من أننا نحتفل بهذا اليوم المهم، عيد المعلم، إلا أننا نعاود طرح تلك المنغصات التي تحارب الفرحة فينا، وأن نحاول -قدر المستطاع- أن نعالج كل تلك المشكلات التي تقف أمام هذه الشخصية المهمة في بناء الأجيال والمجتمع، ثم لنعتذر من الشاعر أحمد شوقي، لأن المعلم لم يعد كما كان شوقي يصفه.
نكسة
يرى المشرف المتابع في تربية الكرخ الثانية الأستاذ (فيصل مدلول) أنه “لا يخفى على المتتبع لواقع المجتمع العراقي أن الكثير من المتغيرات حدثت في سلوك الأفراد فيه، وهو يتأثر -كبقية المجتمعات- بما يحدث له عندما تتغير السياسات، سواء بتغير الأنظمة الحاكمة، أو بفعل تغير السياسات الاقتصادية لهذه المجتمعات، ومنها المدارس. والمعلم يمثل البيئة الثانية التي يتربى فيها الطفل في مسيرة حياته بعد الأسرة، ولن نأتي بجديد عندما نقول إن المعلم العراقي تعرض للظلم والإجحاف وعدم التقدير، قبل العام ٢٠٠٣ أو بعده، سواء في المجال المعنوي أو المادي، فقبل العام ٢٠٠٣ كان ما يتقاضاه المعلم من راتب شهري لا يساوي سعر حذاء يحمي قدميه، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الدولة كانت في جانب معين توزع الأراضي السكنية وأحيانا المجمعات التي كانت تسمى بـ (حي المعلمين) أو غيرها.”يضيف مدلول: “لقد استبشر المعلم خيراً عندما حل التغيير بعد العام ٢٠٠٣ بعدما بدأ التحسن في مستوى الراتب الشهري، وبدأ مستواه المعيشي يرتفع، إلا أن تقلبات الأحوال السياسية أفرزت لدينا الكثير من المشكلات، إذ بدأ المعلم يفقد الكثير سمات مكانته الاعتبارية عندما أصبح يواجه التجاوز عليه من قبل بعض أولياء أمور الطلبة، أو من الطلبة أنفسهم، ما انعكس سلباً على دور المعلم، ليس في داخل المدرسة فقط، وإنما في خارجها أيضاً.”
إعادة الهيبة
أما الأستاذ (يحيى المحياوي) من قسم الإشراف الاختصاصي في تربية الكرخ الثانية، فيؤكد أن “انعدام الاستقرار السياسي الذي شهده العراق بعد ٢٠٠٣ ودخول البلد في مرحلة عميقة من الاضطرابات السياسية المتزايدة والعنف وانعدام الاستقرار الاجتماعي والتدهور الاقتصادي، كل هذه المشكلات قادت، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى نظام تعليمي ضعيف مستقطب وغير موحد، ما أدى بالتالي إلى تفاقم الحالة وتطورها نحو الأسوأ، كتفشي الفساد الإداري، وانعدام الكفاءة، والافتقار إلى الموارد الكافية، والسياسات التربوية والتعليمية الخاطئة، ونظام الجودة الضعيف، وسوء المرافق التعليمية، ونقص كفاءة المدرس، حتى أصبح التعليم بلا فلسفة أو اتجاه، مع ازدياد التسرب الذي انتشر على نطاق واسع، والتدخل السياسي في إعداد المناهج، وسوء الإدارة، وتدهور مكانة المعلم والتعليم بعد عام ٢٠٠٣. ومن أجل النهوض بواقع المعلم والتعليم والعودة بهما إلى مسارهما الصحيح وتغيير المعلم نحو الأفضل، لابد من إعادة هيبة المعلم المفقودة.”
صلاحيات ناقصة
يوضح الأستاذ (رياض السعيدي) أنه “منذ أحداث عام ٢٠٠٣ وما بعدها تغيرت ملامح المجتمع العراقي، ابتداءً من الفرد ثم الأسرة وصولاً إلى المجتمع بشكل شبه كامل، وأن هذا الانعطاف الجديد ألقى انعكاسه على العملية التعليمية سلباً وإيجاباً.”
يردف السعيدي أن “بروز مصطلح الديمقراطية بمفهومه الواسع، أنتج تطبيقات غريبة بسبب سوء فهمه، وكان لكل من المعلم والطالب نصيب منه، فالمعلم عليه تطبيق ما يسمى بالديمقراطية وفق ما ينسجم مع الواقع العلمي لطلابه، بما يحقق التوازن المعرفي والأخلاقي معهم، والطالب أيضاً صار لا بد له من أن يفهم تطبيقات هذا المصطلح مع أستاذه، فالواضح أن المعلم قبل العام المذكور كان يمتلك كامل الصلاحيات، لذا فإنه كان يعتبر الدائرة الكاملة في تنشئة تلاميذه، إذ أن الانضباط والاحترام من طلبته كانا ملحوظين جداً، بينما نجده بعد العام المذكور، ومع دخول هذا المصطلح حيز التنفيذ، أصبح موقفه مهزوزاً وضعيفاً، إلا ما شذ عن ذلك، ومما تجدر الإشارة إليه أن الخلل يكمن في فهم مصطلح الديمقراطية وتوظيفه بشكل يضمن للجميع تحقيق الأهداف التربوية.”

ضغوطات
أما الباحث (ولي جليل الخفاجي) فيبين من خلال رؤيته أن “المدرسة تعتبر البيئة الثانية بعد الأسرة من ناحية مسؤوليتها أو مشاركتها في عملية التنشئة الاجتماعية للأجيال، وشخصية المعلم لها الدور المهم في هذه العملية، إذ أن الطلاب يعتبرونه القدوة، ويحاولون تقليد هذه الشخصية.”
يضيف الخفاجي “أما معلم اليوم، فإنه يتعرض إلى ضغوط كثيرة باختلاف جوانبها عما كانت في السابق، تتركز في ضعف القوانين، الذي كثيراً ما يؤدي إلى تجاوزات على الأساتذة، ومنها القوانين شبه المعدومة في حمايته من تلك الاعتداءات بمسميات القبلية والتحزبية، ليكون تحت رحمة الرضوخ.”