أعيــادُ النــوروز في كردستان.. طعمُها أجمل وبهجتها أكبر
ضحى مجيد سعيد /
مع بشائر فصل الربيع المزدهر بالورود والأزهار والطبيعة الخضراء الخلابة، وختام رحلة الشتاء الباردة المغطاة ببياض الثلوج وبريقها، تشهد مناطق شمال العراق في كام عام طقوساً ومراسم احتفالية بهيجة بمناسبة حلول أعياد النوروز، أو النيروز، كما يسميها البعض. وتمتاز مناطق شمالنا عن بقية مناطق العراق في إحياء هذه الذكرى السنوية، حيث تكون الاحتفالات أكثر ابتهاجاً وجمالاً من غيرها في مناطق عراقنا الحبيب.
الموعد الثابت في كل عام هو الحادي والعشرون من شهر آذار، ولهذه المناسبة أهمية كبيرة في إقليم كردستان العراق، حيث تشهدُ مناطق الإقليم الاستعدادات والتحضيرات لهذا اليوم المُسمى أيضاً بعيد الربيع، قبل مدة من التأريخ المذكور. وفي هذا العام تزامن النوروز مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، فأصبحت نكهته وطعمه أجمل.
قصص وأساطير
وللخوض في تفاصيل أكثر عن هذه الاستعدادات والأجواء، حاورنا السيد (سالار حمه حسين – ٥٥ عاماً)، وهو معلم متقاعد من سكنة أربيل، الذي قال: “على الرغم من أن هنالك بعض الاختلاف في طقوس الاحتفال، لكنها تكاد تتشابه بين أكراد العراق وأكراد الدول الأخرى، مع بعض الاختلافات في التسمية .
لكن بغض النظر عن أبعاد هذه المناسبة والدول التي تحتفل بها، فإن الاحتفالات تستمر على مدار أسبوعين، وهي عطلة رسمية في المدارس وغالبية الدوائر الرسمية هنا في إقليم كردستان العراق، وأبرز ما يحصل فيها هو تبادل الزيارات بين الأقارب والأحبة والخروج في سفرات سياحية معظمها عائلية للتنزه وتناول الأطعمة.”
واضاف أن “عيد النوروز يكاد لا يخلو من رواية الأساطير والحكايات الخيالية القديمة، والكثير من العادات والتقاليد المستنبطة منها، وبغض النظر عن اختلافها وتشابهها، فإن الثابت اليوم هو أن عيد الربيع (النوروز) يمثل فترة حلول بشائر الربيع، أو بدايته على وجه التحديد، ولا يُعرف بالضبط إلى أي زمن يعود الاحتفال بالنوروز، لكن التقديرات الحالية تُشير إلى أن عمره لا يقل عن ٣ آلاف سنة، ومع ذلك لم تذكر كتب التأريخ بشكل دقيق شيئاً عن بدايات وأصول هذه المناسبة وتفاصيلها ونشأتها.”
وأكمل سالار: “تطورت، على مر القرون، هذه الطقوس البدائية القديمة بمناسبة عيد النوروز واتسعت رقعتها ومضامينها، لتتنوع الاحتفالات تدريجياً وتُصبح ذات تأثير اجتماعي وثقافي أكبر، ولاسيما في إقليم كردستان العراق، حيث يقتصر الاحتفال بهذه المناسبة على الأكراد في الغالب، وكانت ولا تزال إحدى المناسبات المهمة لدى أكراد العراق، فتنطلق أغلب الأسر و(الكروبات) إلى سفوح الجبال والحدائق والأماكن العامة في رحلات جماعية للاحتفال بهذا العيد المميز لدينا.”
فرحة كردية
بدوره، يتحدث (ميران عزت حمه – ٥٤ عاماً) الذي يعمل كاسباً، وهو من سكنة أربيل فيقول: “عادةً ما تستعد العائلات الكردية مع بداية شهر آذار من كل عام، باستثناء بعض الأعوام الماضية التي شهدت جائحة كورونا، للاحتفال بأعياد النوروز التي تستمر عادة ثلاثة أيام، وفي بعض البلدان المجاورة قد تصل الاحتفالات إلى اسبوعين أو أكثر بقليل.”
وأوضح حمه أن “مناسبة عيد النوروز كانت تُمثل فرحة كبيرة للاحتفال بقدوم الربيع، ولا يقتصر الأمر على الربيع والتنزه وعيش لحظات الفرح والابتهاج فقط، بل إن تجمع العائلات والأقارب في هذه المناسبة على مدار ساعات النهار له دور كبير في تعزيز الأواصر بين الأسر وفض الخلافات أحياناً، ناهيك عن تأثيراته في الترويح عن النفس.” ويشير أيضاً إلى مناسبات أخرى خلال هذا الشهر، منها عيد المرأة، وعيد الأم، بالإضافة إلى ٢١ آذار، ولاسيما أنه في هذا العام قد تزامن مع حلول شهر رمضان المبارك”
وأكمل قائلاً إن “من طقوس الاحتفال بعيد نوروز هو ارتداء الأزياء التقليدية للشعب الكردي، إذ يرتدي الرجال والنساء والأطفال الملابس الكردية، كما أن اللون الأخضر التقليدي هو اللون الذي أفضله في اختيار ملابسي بهذه المناسبة.”
استعدادات مبكرة
أما السيدة (أم طه – ٤٨ عاماً- ربة بيت) فتقول: “بدأنا التحضيرات منذ بداية هذا الشهر، ولاسيما أنه تزامن مع قرب شهر رمضان المبارك، إذ اشترينا الملابس الكردية والأكسسوارات، وقمنا بتبضع المواد الأساسية للمائدة واحتياجات الرحلة مع الأقارب، وعادة ما نقوم بهذه الاستعدادات قبل مدة، لأن الأسواق خلال العيد تكون مغلقة.” وتضيف: “ربما نطيل الرحلة إلى ثلاثة أيام، وإن أبرز ما نحتاجه هو الخيمة والوقود والمنقلة والفحم، بالإضافة إلى ذلك نقوم بتحضير الأكلات العراقية مثل الدولمة والبرياني والشيخ محشي والسمك والمشاوي والكليجة، وغيرها من الأكلات الكردية، فضلاً عن الحلويات و المكسرات والفواكه لتزيين المائدة.”
أضافت أم طه: “نحن الكرد ننتظر هذا الشهر من عام إلى عام, إذ أنه يجمع أعياداً عدة، كما أن أبرز ما يميز أعياد النيروز (النوروز)، هو ما نرتديه -نحن النساء والأطفال على وجه الخصوص- إذ نضفي طابعاً جميلاً على عيد النيروز بارتدائنا الثياب الملونة والمزركشة المستمدة من ألوان زهور الطبيعة، بالإضافة إلى الأكسسورات المستوحاة من تراثنا الكردي.