فاتورة الكهرباء والغاز في أوروبا مـــن الطاقــة البديلــة إلى نار “الجولة”!

222

آمنة عبد النبي /

تخيلوا “چ(جولة) “عراقية شهمة كالعادة تدفئ بيتاً في أمستردام، وتحرس حيطانه من رجفاتِ البرد وسعار فواتير الغاز، التي تحولت إلى لعنة شهرية ينتظرها الصندوق البريدي، وربُّ عائلة حائر ما بين نار لتر البنزين الذي قفزت “تفويلته” في دول أوروبا إلى الضعف، وما بين استبدالها بأجور المواصلات المُكلفة، التي تقصم الظهر والوقت معاً.
أمّا ضيم أصحاب المشاريع الخاصة، الذين للتوِ رفعوا رؤوسهم من “كفخات” كورونا ولوعتها، فقد كانت لهم تداعيات الحرب بالمرصاد، فأخذوا يستغيثون في كل مكان من فواتير الكهرباء والضرائب التي تلاحق أرزاقهم الشحيحة.
فوبيا الفاتورة الشهريّة المُهلكة لم تقف عند حدود شكاوى العائلات الساكنة في قارة أوروبا، وإنمَّا قابلتها موجة ذعرٍ رسمي، واستعداد مرعب لمواجهة الأزمة المعيشية التي تعصف بأوروبا، أغربها تصريح ملكة هولندا (ماكسيما): “إن الأُسر التي تأكل ثلاث وجبات في اليوم عليها الاكتفاء بوجبة واحدة فقط مستقبلاً!”
فيا تُرى أين تبخرت التحليلات الاقتصادية المغلفة بـ (مكاون) الساسة، التي كانت تقول إن الحرب الأوكرانية الضارية والعقوبات سوف تشلّ روسيا بشكل كبير وتحطم اقتصادها، ولماذا اختفت المضاربات غير المُبالية بشتاءٍ قارس هددنا به الروس، طالما أن هنالك بدائل طبيعية رصينة ومخزون طاقة مدفوناً لكلِ مصيبة طارئة وكارثة فجائية.
مسواگ.. وحيرة لا تنتهي
“بؤس الفواتير، وعجزنا، أثبتا أن العالم يحتاج روسيا أكثر مما تحتاجه، لأن أوروبا، التي كانت تنعم ببحبوبة طمأنينة، صارت تغلي على صفيح ساخن بسبب سعار المعيشة المرهقة باعتبارها هاجسنا، والخطوات الإصلاحية بالمقابل هواء في شبك.” كما تعتقد المترجمة في دائرة الهجرة السويدية (إيمان صافي).. قائلة بامتعاض:
“الوضع في السويد أسوأ بكثير، ولاسيما في ستوكهولم العاصمة، التي تمتاز عادة بكلفة تزيد عن المدن الأخرى في كل شيء، سعار الارتفاع وصل إلى درجة أن الخضراوات والفواكه التي كانت تعد متاحة بأسعار زهيدة بعض الشيء، وتناسب دخلنا المحدود، زادت بشكلِ مؤذِ، فالخيار يصل سعر الكيلو منه إلى خمسة دولارات، والخس المدور، الذي لا طعم له ولا رائحة، يصل سعر الكيلو منه أيضاً إلى خمسة دولارات، أما طبقة البيض ذات الأربع والعشرين بيضة، فتباع بسعر ستة دولارات، وحبة الشجر أو الباذنجان فيصل سعر الواحدة منهما إلى الدولارين، أما اللحم فبحسب النوع والمنطقة، إذ يبدأ سعره من تسعين كرون للكيلو الواحد مع العظم، أي تسعة دولارات فما فوق، وأيضاً هنالك لحوم بأسعارعشرة أو وخمسة عشر دولاراً، وهنا أتحدث عن المحل العربي الذي يفترض أن تكون أسعاره مناسبة، اما المحال السويدية فإن أسعارها أغلى بكثير. لقد اصبحت السفرة تفتقر إلى أشياء كثيرة، لذا قمت بحذف مشتريات هي في الحقيقة ضرورية، لكن ماذا أفعل، الإرباك في الأسعار لا يوازي نهائياً ما أكسبه من أجر.”
أما (بشرى الطائي)، مدربة رياض الأطفال في العاصمة الهولندية أمستردام، فإنها ربما قررت الهرب! قائلة بانزعاج: “أتصدقين بأنني أفكر بترك هولندا والذهاب إلى بلدِ مناسب لوضعي المعيشي أستطيع فيه الاكتفاء دون قلق أنا وابني، إذ لم أعد أستطيع تحمل فواتير الغاز، كما لا يمكنني الاستغناء عنه بحكم أن لدي طفلاً، وشتاء أوروبا ممرض كما تعلمين، ماذا أفعل، لذا استعنت بمدفأة نفطية (چولة) عراقية أرسلها لي أهلي من العراق كبديل، مع أن وقود البدائل المتاحة مكلف أيضاً وغير آمن لبيت جدرانه من خشب وفيه طفل، لكن لا حل لديّ!”
الطماطم.. هاجس عائلي
“الأسعار زادت إجمالاً، إذ أن أسعار الخضار -تحديداً في هذا الوقت- ترتفع عادةً لأنه موسم الشتاء الذي لا زراعة فيه، وكل الأسعار تعتمد على أسعار النقل التي ازدادت بفعل زيادة أسعار المحروقات إثر تداعيات الحرب.” كما تعتقد ربّة العائلة المُقيمة في شتوتغارت الألمانية (حنان الصالح).. مكملة بحيرة:
“الغريب أننا نسمع أن هناك خطوات حكومية لمعالجة بعض الحالات، لكنها بصراحة موجودة فقط في الإعلام، تخيلي أنه وصل الحال بارتباك الوضع المعيشي في ألمانيا من الرداءة إلى درجة أن مخاوف وقلق الألمان منذ فترة تركز كله على ارتفاع أسعار الخضراوات، وتحديداً الطماطم، إذ أن الكيلو منها أصبح تقريباً بسعر الخمسة يورو، أي ما يعادل تسعة آلاف دينار عراقي، والطماطم قد تغيب عن مائدة العائلة الأوروبية بحكم اختلاف الثقافات الغذائية، لكن كيف يمكننا الاستغناء عنها وهي جزء رئيس من المرق وباقي الأكلات والسَّلَطات، كيف تقتنع المرأة العراقية، التي تحاول أن تصنع من غربتها وطناً عراقياً داخل البيت وتكتفي بالمعجون الباهت؟”
فاتورة غاز أم لعنة!
أما (حسان رحيم)، صاحب (محل حلاقة الذهب) في مدينة (فيرڤيا) البلجيكية، الذي كان يدفع فاتورة كهرباء تصل إلى مئة وخمسين يورو شهرياً، لكنها الآن تضاعفت إلى ما يقارب الخمسمئة يورو تقريباً، فقد امتعض كثيراً من معاناة الوضع الاستهلاكي والمهني البائس في بلجيكا، باعتباره أثر كثيراً على ذوي المهن الخاصة بعد أزمة كورونا، ومن ثم أعقبتها تداعيات الحرب الاقتصادية الروسية على أوروبا.
في حين شكا (حيدر أبو محمد)، رب العائلة المقيم في هولندا، قائلاً بحيرة:
“لن أتحدث عن غلاء المواد الغذائية والبنزين وغيرها، لكن هل تصدقين بأنني كنت أدفع فاتورة الكهرباء الشهرية بقيمة مئة وخمسة وثلاثين يورو، كعائلة مكونة من ثلاثة أفراد، والآن أدفعها مضاعفة، علماً بأننا في الأساس مقننون جداً بالاستهلاك داخل البيت ونسترشد قدر الإمكان، لكن الحياة هنا أصبحت عبارة عن قلق فواتير ومخاوف مستمرة وهاجس معيشي لا ينتهي.”
حكومات وفوبيا تصريحات
موجة من الذعر الرسمي والاستعداد الحقيقي المُرعب لمواجهة الأزمة المعيشية التي تعصف بأوروبا، أثارها تصريح ملكة هولندا (ماكسيما) حينما أوقفت شركة غازبروم الروسية إمدادات الغاز إلى شركة شيل، إذ صرحت:
“إن الأسر التي تأكل ثلاث وجبات في اليوم، عليها الاكتفاء بوجبة واحدة فقط مستقبلاً!” طبعاً هي لاتتكلم عن هولندا أو أوروبا فقط، وإنما عن العالم أجمع، وللعلم فإن الملكة خبيرة مصرفية وتحدثت ضمن اختصاصها في منتدى داڤوس، وأمام الجميع أثناء اجتماع أقيم هناك. أما في بريطانيا فهناك الاستعداد لقطع الكهرباء عن المنازل لعدة ساعات بشكل يومي، حتى أن المذيع (مايك غراهام) قدم برنامجه على التلفزيون دون أضواء لتأكيد الخبر، في حين اضطر الشعب الفرنسي إلى الوقوف في طوابير للتزود بالوقود.