فــي الذكـــرى العشريــــن للغـــزو الأميركــــي.. بغداد لم تسقط بل سقط نظام صدام
إياد عطية /
يستعيد العراقيون في التاسع من نيسان الذكرى العشرين لسقوط نظام صدام على يد قوات الاحتلال الأميركي في آخر حروب الدكتاتور الخاسرة التي دخلها منذ أن تسلم مقاليد السلطة في البلاد وحكمها لنحو أربعة عقود كانت الأكثر إجراماً ودموية في تاريخ العراق الحديث.
عشرون عاماً غيرت مجرى الأحداث عربياً وإقليمياً عبر حرب قادتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في التاسع من نيسان عام 2003، خلال عملية أطلق عليها (الصدمة والترويع)، انتهت بهزيمة مدوية لنظام تخلى عنه قادته ورموزه وضباطه الكبار، الذين كانوا يمثلون يده الطولى في البطش وتنفيذ الجرائم والحروب.
ولم تواجه القوات الغازية في طريقها الى التقدم نحو بغداد سوى مقاومة في مدن الجنوب، ولاسيما في مدينتي أم قصر والناصرية ، فيما تبخر الجيش الذي كان معداً للدفاع عن العاصمة، وهرب قادته وكبار ضباطه وتركوا جنودهم لوحدهم أمام القوات الاميركية التي سيطرت على بغداد بعد معركة قصيرة خاطفة في مطار بغداد الدولي.
المقاومة الشعبية
يقول (الفريق الركن المتقاعد عبد كاطع): “لا يمكن لنا أن ننسى تلك الأيام ونحن نرى جيشنا يتهاوى ويسحق بعد أن وضع على قيادته أناس غير جديرين بالدفاع عن شرف الجندية، وعلى الرغم من أننا كنا نعلم بأننا نخوض معركة غير متكافئة مع القوات الأميركية ، لكننا كنا نتوقع ونراهن على المقاومة الشعبية، بالرغم من علمنا أن الشعب كان ينتظر اللحظة للخلاص من هذا النظام الذي أهان الجيش وأدخله في معارك مرهقة كلفته الكثير.”
وأكد الفريق كاطع أنه “متاكد من أنه لو كان نظام صدام يهتم بشعبه ويعمل من أجل تقدمه ورفاهيته وحريته، لقاتل العراقيون الجيش الأميركي في كل حي وشارع، ولاسيما أن الشعب العراقي شعب مقاتل وصبور، لكن الأميركان كانوا على علم بأن العراقيين يريدون التخلص منه.
وبيّن أن “لا أحد من العراقيين يريد أن يرى غازياً في أرض بلاده، ولهذا كان الموقف خليطاً من الحزن والفرح بسقوط نظام صدام.” مشيراً الى أن “العراقيين سرعان ما نظموا أنفسهم وشكلوا فصائل المقاومة الوطنية، ولولا قيام عناصر النظام المهزومة من المعركة بتسهيل تدفق الإرهابيين لتوحد الشعب وأخراج قوات الاحتلال الأميركي في غضون بضعة أشهر.”
نظام همجي
يقول أستاذ التاريخ في جامعة سومر (الدكتور محمد رضا) إن “التاسع من نيسان يمثل تاريخاً فاصلاً في حياة العراقيين كان له بالغ التأثير على كل الأحداث التي عاشها، وسوف يعيشها الشعب العراقي، وبالرغم من المرارة التي خلفها وجود قوات أجنبية على أرض بلادنا، إلا أن ما يخفف ألم تلك الأيام هو الخلاص من نظام قروي مجرم حكم العراق بالنار والحديد، ومارس الهمجية في كل سياسته وتعاملاته.”
وأوضح أن “العراق كان يمر -قبل الاحتلال- بمرحلة يمكن القول عنها أنها مرحلة الضياع وتبدد الأمل، حين وضع العراق تحت طائلة أقسى حصار نفذته دول الجوار، وكان يعاني من أزمات طاحنة، سياسية واقتصادية وأزمات داخلية، ولهذا فإن تغيير النظام كان هو الخيار المتاح الذي يخرج البلاد من عنق الزجاجة بعد سنوات الحروب والحصارات والاعتقالات في السجون المروعة وسياسة الاقصاء والتعصب الطائفي التي حولت العراق في تلك الحقبة إلى سجن كبير كان الخروج منه مجرد حلم يراود العراقيين المتطلعين الى مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.”
يتابع رضا أن “ما مر بنا بعد عشرين عاماً من تلك (التراجيديا)، التي عيشنا فيها نظام صدام حسين أربعين عاماً، يوجب علينا أن نعيد بناء الإنسان والأوطان، وأن نمحو كل آثار وندوب الماضي التي تركها شخص مهووس بالسطلة والحروب. وحان الوقت لاستلهام الدروس من تلك الحقبة الزمنية المظلمة التي نستعيد ذكراها التي لن تمحى بسهولة.”
ورأى أن “هذه الذكرى ينبغي أن تحفزنا على بناء بلدنا على أسس وطنية، موازينها قيم العدالة والإنصاف، فبالرغم من عدم قناعة الشعب العراقي بأداء القوى السياسية التي حكمت البلاد بعد العام 2003، إلا أن الأهم هو أن هناك أملاً كبيراً وفرصة متاحة لكل عراقي مخلص يفكر بمصلحة وطنه، ليعيد رسم خارطة جديدة لعراق قوي مقتدر خال من الفساد والمحاصصة المدمرة التي كرسها الاحتلال ويرفضها العراقيون.”
حقد ومقابر جماعية
فيما يقول الكاتب والصحفي (محمد رزاق) إن “الوقت قد حان لنغسل عار ما تركه نظام البعث اللعين بين جنبات هذا الوطن من دمار وحقد ومقابر جماعية، وما زرعه في نفوس الناس من يأس، إذ أن شعبنا الكريم المعطاء يستحق أن يعيش حياة أفضل تليق بإرثه الحضاري ومجده العتيد. وأقول أن لا عزاء لتبعات البعث ومن يدافع عن النظام المباد، فعلى الرغم من كل العقبات والعثرات التي تلت سقوطه، فإن حياة العراقيين الآن أفضل من تلك الايام التي عشنا فيها الجوع والحصار والحرب في وقت واحد.”
وأعرب رزاق عن “استغرابه من ذيول البعث التي تمددت في جسد الدولة، ومكنتها التكنلوجيا الحديثة، التي كان كبيرهم يحاكم الناس على امتلاكها ويمنعهم من الوصول إليها، من الترويج لفكرة أن العراقيين كانت حياتهم أفضل في عهده، تجرؤاً على الحقيقة التي عاشها الشعب العراقي وذاق معاناتها، في محاولة لتضليل الناس والعودة من ثقوب الفشل السياسي في بناء دولة قوية، وهم يوهمون الناس بأن الحل في دولة تعود لحكمها عصابة البعث المجرم.”
ممارسات سادية
إلى ذلك، تعتقد الباحثة النفسية (حلا العمير) أن “ليس من السهولة أن يختفي الأثر النفسي الذي نتج عن ممارسات النظام السادية التي مسخت شخصية العراقيين وحولتهم إلى أدوات لخدمة الحاكم الأوحد، ودفعتهم إلى استخدام أحط الوسائل الإجرامية لتحقيق رغباته والتقرب إليه.” مشيرة إلى أن هذه الرواسب باقية، وقد تنتقل بعض تفاصيلها إلى الأجيال الجديدة، ومع هذا فإن العراقيين تنفسوا الصعداء، بعد أن جثم على صدورهم أعتى دكتاتور عرفه العصر الحديث، وتحرروا من السلبيات التي رافقت النظام المقبور، التي على ما يبدو أنها ثمن الحرية التي تنفسها الشعب العراقي.”
وأضافت أن “لا أحد يدرك الفظائع التي عاشها العراقيون، ولاسيما سنوات القهر والحصار، حينما كان الأطفال يموتون، ويفتك المرض بكبار السن بسبب سوء التغذية، بينما يشيد صدام وحاشيته القصور الكبيرة على ضفاف دجلة والفرات، ويقيم أولاده السهرات الليلية الماجنة، ويتحكمون بقوت العراقيين الذين اضطروا إلى بيع حتى ملابسهم وأبواب وشبابيك بيوتهم من أجل توفير لقمة الخبز.”
واذ تمر الذكرى العشرون لسقوط نظام صدام، ومرور البلاد بمنعطفات وصراعات دامية نفذتها عناصر إجرامية حاولت إعادة العراق الى الوراء فإن اي عراقي مهما كان ناقما على الاداء السياسي وتفشي الفساد والمحاصصة فإنه لا يمكن أن نقارن تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق مع الوجه المشرق اليوم من حياة العراقيين البعيد عن هواجس المقابر الجماعية والإعدامات التعسفية .