العيد يطرق أبواب العراقيين بالذكريات والأفراح المتجددة

383

أربيل – ضحى مجيد سعيد/

يبقى العيدُ من أجمل الذكريات، وموعده يعيد الإنسان إلى الطفولة، فهو الاحتفال الأجمل الذي يعيشه الإنسان بكل حرية. وفي العيدِ تغيبُ الخطوط الحمر، وتبعث طقوسُه السعادةَ ويجتمع فيه الأحبة، فالعيد ضالةُ المشتاق وهدفُه المنشود، طقسُ الأملِ والتجدد، فطقوسه لا تكتمل إلا بكل ما هو جديد، لذا تجد الإنسانَ يبحث عن الوسائل التي تجعل منه متجدداً وجديداً من الملابس إلى الطعام وأثاث البيت.
تقول (سناء عيد)، التي تبلغ من العمر ٤٣ عاماً، وهي أكاديمية في معهد الفنون الجميلة إن “احتفالُ الإنسان بالعيد لم يتغير برغم تغير كلِّ شيء حول الإنسان، وبرغم سطوة التكنولوجيا، لكن طقوس العيد تبقى هي الأقوى، ولاسيما عند العراقيين، ففي العيد ترى روح الإنسان تتجدد، وتكون روحاً وعقلاً وسلوكاً جديداً، فسعي الإنسان لأن تكون طقوس العيد والاحتفال به طقوس لا تشبه إلا العيد نفسه.”
وأضافت: “وأجمل ما في طقس العيد هو سلوك التحضير له الذي يسبقه بأيام، التي تتوج قبل العيد بيوم، حتى أن العراقيين يبدأون احتفالهم بالعيد بتحضير المُعجنات (الكليجة)، اسمها عراقي لا يشبه إلا احتفال العراقيين بالعيد.”
وأشارت إلى أن “انتظار العيد هو الأجمل، ولاسيما لدى الأطفال الذين يحتفلون بالعيد والعيدية، ولا تكتمل فرحتهم إلا بالعيدية التي يُعبَّرُ بها عن مقدار الحب لمانحِ العيديةِ ومُتسلمِها، فالأب يعبر عن حبه لأولاده وفرحه بالعيد بمقدار العيدية التي كلما كانت كبيرة كلما كان الحب كبيراً في نظرهم، لذلك فإن العيدية هي أيقونة الحب، حسب تعبيرها.”
كرنفال متفرد
أما (مها محمد علي)، ربةُ أسرة وأم لثلاثة أولاد، تبلغ من العمر ٣٥ عاماً، من سكنة أربيل فتقول: “العيديةُ كرنفالُ متفرد لما تحمله من محبة للعيد، لأنه فَألُ خير ويجلبُ السعادةِ، إذ أن كلّ شيء يبدو جديداً، وحتى المتخاصمون يتصالحون في العيد.” وأضافت: “العيد فرحةُ القلوب النقية وعادةً ما نقول (العيدُ للأطفال).”
‏وأجابت بكل عفوية عندما سألتها: لماذا دائماً تتردد مقولة إن العيد للأطفال قائلةً: “طبعاً للأطفال، لأنهم صورة براءة العيد، وفرحة العيد لا تكتمل إلا بهم، بملابسهم الجديدة ولعبهم وتسابقهم في (معايدة) الأكبر منهم وفرحهم وخجلهم عند أخذ العيدية.”
ثم سألناها عن رأيها بما يقولون إن الموبايل قد قضى على العيد وأصبح الأولاد يُعيّدون أهلهم بالموبايل، فأجابت مستفزة بجملة تفوح منها المحبة الفائقة والانتماء الذي تتميز به العائلة العراقية قائلة: “أبداً، فالموبايل لا يقدر أن يُنهي المحبة بين الأهل والأولاد، فبرغم كل ما يفعله الموبايل (لازم يجون) في العيد ويجلبون أولادهم ويجري الاحتفال، والكل يحضر للاحتفال به، فلا يستطيع الموبايل أن يقتل المحبة، فطقوس الاحتفال في العيد هي تبادل آيات المحبة بين الأحبة.”
زهور المحبة
وعندما كنت أتحدث مع (أم محمد) تدخل أحدُ الأشخاص (رفض ذكر اسمه) وقال: “أنا سمعت الحوار الجميل بينكما حول العيد، وأقترح أن تُقدمُ الورود مع العيدية ليتوج العيد بزهور المحبة، لكي تبقى المحبة هي سيدة المواقف في العيد وفي كل الأيام.”
وأضاف: “أتعرفين أن الناس رغم التكنولوجيا ينتظرون أيام العيد للقاء الأحبة، لأنها الأيام التي يتحررُ فيها الإنسانُ من ضغوط الحياة، وهو دعوة للمحبة.”
وتمنى على الإعلام أن يؤكد على التمسك بطقوسنا الإنسانية ومُناسباتها ومنها مناسبة العيد.
ذكريات
(حسين ناجي – أبو علي)، موظف متقاعد يبلغ من العمر ستين عاماً، يسكن حالياً مدينة أربيل، لكنه كان من سكنة منطقة الدورة سابقاً يقول: “عندما يُذكر العيد أو المناسبات السعيدة نستذكر حتى ملاهي الأطفال التي تحضر بقوة في عيون ما يسمون بأحباب الله.”
وأضاف: كثيرةٌ هي الحكايات والقصص عن ملاهي الأطفال، قبل عقود من الزمن ربما كانت تقتصر على ملاه بدائية وبسيطة تنتشر في ساحات فارغة داخل الأحياء السكنية، لكنها اليوم ومع عجلة التطور لا تزال حاضرة، وربما زحفت إليها عجلة التكنلوجيا أيضاً، فباتت لا تستطيع المنافسة مع مدن الألعاب المتطورة الموجودة في غالبية المدن قياساً بما كان، مع ذلك تحمل تلك الألعاب البدائية ذكريات مثيرة وكثيرة.”
‏ وبين قائلاً إن “الألعاب كانت تنتشر في ساحات كثيرة، في منطقة بغداد الجديدة مثلاً، ومنها ساحة تحمل اسم (محمد الأسود) التي كانت تمتلئ بالألعاب البدائية والبسيطة خلال المناسبات، وكان بعض الناس يأتون بالخيل أيضاً، كنت كسائر أهل المنطقة أذهب بأولادي الصغار للترفيه عنهم في هذه الملاهي الشعبية، وبينما نتبادل التهاني مع الجيران كان الأولاد يمرحون ويلهون في الألعاب، وربما كان الإقبال عليها كبيراً لقربها من بيوت أهل المنطقة، فضلاً عن الأسعار الزهيدة لركوب الأطفال في هذه الألعاب، لأنها كانت أول الخيارات لهم لقربها من منازلنا، وكان الإقبالُ عليها كبيراً في المناسبات على الرغم من وجود مناطق سياحية كجزيرة بغداد ومدينة الألعاب القديمة قرب نصب الشهيد، أو ما تعرف اليوم بمدينة السندباد، لكن مع ذلك مازال هناك إقبال على هذه الملاهي البسيطة في المناطق الشعبية رغم أنه أقل مما كان عليه في الماضي.”
الدكتورة (آمنه عامر)، باحثة اجتماعية في علم النفس من سكنة بغداد تقول إن “وجود ملاهي الأطفال البسيطة وتوفيرها بالمجان للأسر سوف يساعد الأطفال على الخروج من قوقعة الألعاب الإلكترونية التي اجتاحت البيوت نتيجة أسبابٍ كثيرة، كما أن الألعاب الشعبية تُزيد قدرات الأطفال العقلية وحبهم للجماعة.”
‏موضحةً أن “الألعاب في الماضي يكون الجهد فيها بدنياً وأكثر أمناً من حيث فكرة اللعبة، وأحياناً يكون اللعب فيها بروح الفريق والتعاون، وكانت تنتهي بمجرد شعور الأطفال بالتعب البدني أو عند مغيب الشمس، لكن الألعاب الإلكترونية ليس لها وقت محدد، وهي تُقوضُ التواصلَ.”