المتنبي.. مالئ الدنيا وشاغـــــــــل النـــــــاس

160

واسط – نزار عبد الجبار/

في مكان قريب من ضفة النهر عند دخولك إلى قضاء النعمانية التابع لمحافظة واسط، سترى قبةً مرتفعة شكلها يختلف عن باقي القبب، وحينما تقترب ستجد ضريح من ملأ الدنيا وشغل الناس، فينتابك شعور بالزهو والفخر، وما إن تطأ قدمك أرض الضريح ستزدحم الأبيات الخالدة التي قالها صاحب الضريح، أبو الطيب المتنبي، بين التي تحفظها والتي قرأتها حتى تقرأ بيته الأشهر: “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم”، تعرف أن المتنبي كان يستحق لقبه عن جدارة واستحقاق، حين تنبأ بأن شعره سيخلد أبد الدهر.
أبو الطيّبْ أَحمَدْ بن الحُسَينْ الجَعْفِي الكندِيَ الكوفِيِّ المعروف بالمتنبِّي، المُلقب بشاعِرِ العربِ (303هـ – 354هـ) (915م – 965م)؛ له مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب بعد الإسلام، إذ يوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، فقد ظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر حكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. تدور معظم قصائده حول نفسه ومدحه الملوك. قال الشعر صبياً، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.
كان المتنبِّي صاحب كبرياء وشجاعة وطموح، محباً للمغامرات، وكان في شعره يعتزُّ بعروبته، ويفتخرُ بنفسه، وأفضلُ شعرهِ في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية مُحكمة. وكان شاعراً مبدعاً عملاقاً غزير الإنتاج، يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة.
فارس لا يشق له غبار، ذاع صيته في دواوين الحكام والملوك والأمراء، ولاسيما سيف الدولة الحمداني الذي أغدق عليه وأكرمه وجعله نديمه الأوحد، بل حتى أنه كان يشاركه حروبه. اكتشف قبر المتنبي في ستينيات القرن الماضي، وكان قبل ذلك يسمى (قبر أبو سورة) ويعني تسور الماء على قبره، فلا يغرق ايام الفيضان، فأقيمت عليه قبة، وبدأ الناس يتبركون بالقبر لما رأوه فيه من كرامة.
اكتشاف القبر
الباحث حميد الشمري، وهو من أهالي قضاء النعمانية، الذي اهتم باكتشاف قبر المتنبي يقول: كان في الستينيات مدير عام لصحة واسط اسمه عادل البكري، وهو أديب محب للشعر، قرأ بأن هناك ضريحاً غير مكتشف للشاعر أبي الطيب، فزار المكان والتقى بأعيان المدينة ومثقفيها للاستدلال على مكان الضريح، وأقام عدداً من الندوات والبحوث نتج عنها تشكيل لجنة لتحديد مكان القبر، ضمت كلاً من السادة: العلامة أحمد سوسة رئيساً، وعضوية عادل البكري ومصطفى جواد والسيد سلمان الخطيب ونجله السيد حبيب الخطيب، التي أخذت على عاتقها مراجعة كل المخطوطات والكتب التي أجمعت على وجود قبر المتنبي في هذه المنطقة، قريباً من قصر النعمان بن المنذر، فجرى تشييد الضريح وبناء قبة مميزة ترمز لهذه القامة الأدبية، وترفع القبة عن الأرض بنحو أربعة عشر متراً، وهي على شكل خوذة فارس، والضريح على شكل حمامة بيضاء، وفي أعلى القبة من الداخل توجد زجاجة صنعت خصيصاً في فرنسا تعكس الإنارة ليلاً ونهاراً على شكل هلال.
مقتل المتنبي
ظل مقتل المتنبي لغزاً تكاثرت حوله الأقاويل والآراء، راح بعضها إلى أنه بسبب قصيدة هجا بها (ضبّة) وأمه (الطرطبة)، وهي قصيدة معروفة، فمكن له خاله فاتك الأسدي فهجم على المتنبي وابنه المحسّد ومن معهم، حتى قتلوا جميعاً في 28 رمضان سنة 354 هجرية الموافق 27 أيلول سنة 965 م.
الضريح يقع ضمن مساحة 6 دونمات تحيط به الأشجار من الجانبين، فيه قاعات بنيت في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه يعاني الإهمال في الوقت الحالي، فلا ترميم ولا إدامة ولا إنارة ولا ما يوجب التعريف بهذا الشاعر الفحل، إلا مهرجان المتنبي الذي لم يقم منذ ثلاث سنوات بسبب خلافات بين وزارة الثقافة واتحاد الأدباء.
كذلك لا يوجد مكان يرتاح فيه زوار الضريح، ولا كهرباء مستمرة، ولا سفرات سياحية إلى هذا الضريح.. فهل يا ترى لم يشغل مالئ الدنيا وشاغل الناس بال المسؤولين عن الثقافة والسياحة للنهوض بهذا الصرح المهيب!؟