معضلة التغيّر المناخي هل تستطيع الشجرة إنقاذ العالم؟

398

ترجمة: آلاء فائق
تصوير: علي الغرباوي/
أصبحت زراعة الأشجار حجر الزاوية بالعديد من الحملات البيئية في السنوات الأخيرة، فالدعوة لزراعة الأشجار موجودة في كل مكان بالعالم، إذ يُنظر إليها على أنها طريقة بسيطة وفعالة للمساعدة بتقليل تأثير انبعاثات الكربون واستعادة النظم البيئية الطبيعية.
لعل المثال الأكثر طموحا هو حملة التريليون شجرة التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كانون الثاني 2020 لدعم “عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي”، الذي يهدف لاستعادة أو حماية أو زراعة تريليون شجرة بحلول العام 2030. وقد أعقبت ذلك حملة مماثلة تهدف لزراعة تريليون شجرة بحلول العام 2050 التي بدأت في العام 2018 تبنّتها منظمات غير ربحية معنية بالطبيعة، منها الصندوق العالمي للطبيعة WWF.
أسهم فيديو أنتجته شركة Redditors بهذا الحدث العام 2019، عندما أنشؤوا طوفاناً من الأفكار لتشجيع مستخدمي YouTube البارزين كالسيد بيست على زراعة 20 مليون شجرة للاحتفال بوصول عدد المشتركين الى 20 مليون مشترك. رحب بيست بالتحدي، وبدأ بحملة لجمع التبرعات للحفاظ على الأشجار وتحقيق الهدف. لكن لماذا كل هذا التركيز على زراعة الأشجار؟ هل تستطيع الشجرة المتواضعة إنقاذ العالم حقاً؟ وهل ستحدّ من أزمة التغير المناخي؟
أشياء يجب معرفتها عن زراعة الأشجار
• الأشجار هي من أفضل آلات تخزين الكربون، إذ يمكنها احتجاز 400 طن من الكربون بهكتار واحد فقط.
• استعادة غابة بحجم الولايات المتحدة من شأنه تخزين 205 مليار طن من الكربون، أي ثلثي الـ 300 مليار طن المنبعثة منذ الثورة الصناعية.
• ضرورة دراسة مبادرات زراعة الأشجار، والتخطيط لها بشكل جيد، فالبرامج السيئة تضر أكثر مما تنفع.
كيف تعمل الأشجار؟
الأشجار هي آلات نهائية لتخزين الكربون من الجو؛ شأنها شأن جميع النباتات، فهي تأخذ ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي بعملية (التمثيل الضوئي)، وتنتج الأوكسجين الذي نتنفسه كمنتج ثانوي لهذه العملية.
يمكن للغابات حبس الكربون لعدة قرون، وهو أمر يحتاجه البشر وكوكبنا بشدة، نظراً للضرر الذي يلحق بالغلاف الجوي بسبب النشاط البشري الذي ينبعث منه الكربون.
وفقا لمؤسسة وودلاند ترست (أكبر مؤسسة خيرية لحفظ الغابات بالمملكة المتحدة، زرعت أكثر من 50 مليون شجرة منذ العام 1972)، يمكن احتجاز 400 طن من الكربون بهكتار واحد فقط.
عواقب قطع الأشجار على انبعاثات الكربون
وجدت دراسة أجريت العام 2018 أن قطع الأشجار بولاية أوريغون، الولايات المتحدة الأميركية كان مسؤولاً عن إطلاق 33 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، مما أدى لتقزم المصادر الأخرى لانبعاثات الكربون كوسائل النقل بالولاية.
تخزن جميع الأشجار الكربون، ولكن يُعتقد أن الغابات الاستوائية المطيرة أكثر فائدة عندما يتعلق الأمر بالدفاع ضد التغير المناخي، فهي تنمو بسرعة وتنتج غطاء سحابياً.
تنعكس من الغابات المطيرة أشعة الشمس للفضاء، وفقاَ لحلف الغابات المطيرة، كما أنها حيوية لنظام الطقس، إذ تساعد في توليد الأمطار من خلال بخار الماء المتسرّب من أوراقها الذي بدوره يساعد على منع الجفاف بالمنطقة.
تختلف تقديرات كمية الكربون الموجودة بالغلاف الجوي التي تخزنها غابات الأمازون المطيرة بشكل كبير، ولكن مهما كان الرقم، فقد أظهرت الدراسات أنّها ساعدت بالتخفيف من انبعاثات الكربون التي تنتجها جميع الدول بالمنطقة المحيطة بها، ولكل هذه الأسباب، أشاد علماء المناخ بفوائد زراعة الأشجار وحماية الموجود منها.
دراسة
خلصت دراسة ضخمة أجرتها جامعة ETZ في زيورخ، نُشرت في العام 2019، إلى أنه من خلال استعادة مساحة كبيرة جداً من الغابات على مستوى العالم، أي ما يعادل حجم الولايات المتحدة، فإنها ستخزن 205 مليار طن من الكربون. ووجدت الدراسة أن هذا يمثل نحو ثلثي الـ300 مليار طن التي تم إطلاقها في الغلاف الجوي نتيجة للنشاط البشري منذ الثورة الصناعية.
يقول البروفيسور توماس كروثر، الذي قاد الدراسة: إن النتائج كانت “مذهلة”، مضيفاً: “كنا نعلم جميعا أن استعادة الغابات يمكن أن تلعب دورا بمعالجة التغير المناخي، لكننا لم نكن نعرف حقا حجم التأثير، لكن يجب علينا أن نتحرك بسرعة، لأن الغابات الجديدة سوف تستغرق عقوداً من الزمن حتى تنضج وتحقق أهدافها المرجوة”.
كيف يدمر البشر الدور الذي يمكن أن تلعبه الأشجار؟
يشكل الاحتباس الحراري وإزالة الغابات تهديداً كبيراً للدور الهام الذي تلعبه الغابات بحماية الكوكب.
في الآونة الأخيرة، ظهرت أدلة دامغة على أنه بسبب الأضرار التي لحقت بغابات الأمازون المطيرة، فإنها فقدت قدرتها على تخزين الكربون. في الواقع، تؤدي الأنشطة المختلفة سواء الطبيعية أو التي هي من صنع الإنسان على إطلاق الغازات الدفيئة كالميثان وأوكسيد النيتروز بالغلاف الجوي ونتيجة لذلك، يشعر العلماء بقلق بالغ إزاء الأدلة الناشئة المشيرة الى أن أجزاء من الأمازون أصبحت مصدرا للكربون، بدل أن تكون بالوعة كربون.
يمكن أن يؤدي تجفيف الأراضي الرطبة وضغط التربة نتيجة قطع الأشجار لزيادة انبعاثات غاز أوكسيد النيتروز الدفيئة، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يبطئ من قدرة الشجرة على التمثيل الضوئي بالسرعة نفسها.
زراعة الأشجار لا تكفي
في وقت تجد أنه من الضروري حماية الغابات وزراعة المزيد منها لتمكن الأجيال القادمة من الاستفادة من قدرتها على احتجاز الكربون، إلا أن هناك أدلة تشير الى أنه لا يمكننا الاعتماد على “زراعة الأشجار” فقط لإنقاذ العالم من التغير المناخي.
في العام 2020، أشارت بعض الأبحاث العلمية الى أنه إذا كانت مبادرات زراعة الأشجار مصممة بشكل سيّئ، فقد تكون غير مفيدة، ومجرد فقدان متسارع للتنوع البيولوجي، وإطلاق المزيد من الكربون وهدر بالمال العام.