الكتابة باسم مستعار!
عبد الحليم الرهيمي/
وصلني عبر (الفاكس) مقالاً لصديق طلب نشره في جريدة (العراق الحر) الليبرالية التي كانت تصدر في لندن خلال عقد التسعينات من القرن الماضي لصاحبها السياسي المخضرم المرحوم سعد صالح جبر، حيث كنت رئيساً للتحرير فيها. كان المقال طويلاً ويبلغ نحو ألف كلمة، وقد تضمن انتقادات حادة وبتعابير غير لائقة لعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية التي يقيم بعضها في لندن وبعضها الآخر في دمشق أو كردستان العراق، ولم يكن المقال مذيلاً باسم الصديق الذي أرسله إنما بأسم آخر غير معروف ولذلك كان من الصعب نشره لسببين رئيسين أولهما لغته الانتقادية الحادّة وغير اللائقة، وثانيهما لأن الاسم الذي يراد نشره به غير معروف.
لذلك اتصلت بالصديق الذي أرسل المقال، وسألته من يكون صاحب المقال أجاب إنه هو، لكنه فضل نشره باسم مستعار كي لا يسبب له مشاكل مع الأشخاص الذين وجهت لهم الانتقادات في المقال. وهنا تساءلت متعجباً هل تخشى من تحمّل مسؤولية ما تكتب ونقد الآخرين بقسوة ولا ترى حرجاً في توريط الجريدة وتحميلها مسؤولية مقالك؟ وهنا ردّ بانفعال وبشيء من الغضب: ألستم جريدة ليبرالية تنشر الآراء المختلفة من دون أن تمنع الرأي الآخر المخالف، فلماذا تمنعون نشر المقال؟ وهنا تمنيت عليه زيارتنا في مكتب الجريدة لنتحدث في الموضوع، وعندما جاء مشكوراً بادرته بالقول: أن يختار المرء اسماً مستعاراً لعمل إبداعيّ مقالاً كان أو قصيدة أو كتاباً ويخشى مساءلة وملاحقة السلطة له، أو رفض المجتمع له فهذا ربما يكون مبرراً ومقبولاً، أما أن ينشر مقالاً باسم مستعار حيث لا خشية تبرّر ذلك فهو أمر غير مقبول. وبعد أن توقف متأملاً للحظات تساءل ما العمل؟ أجبت: أن تمسك بقلمك الذي كتبت به المقال وتجري عليه التعديلات اللازمة التي تؤهله للنشر بلغة لائقة وغير حادة في الانتقاد ففعل وشطب حوالي ثلث المقال وقدمه لي متسائلاً: والآن؟ أجبت أحسنت الآن سينشر المقال ليس فقط باسمك الصريح وغير المستعار، إنما بحروف بارزة ومكان لائق.
وبعد أيام من نشر المقال اتصل بي الصديق صاحب المقال، ليقول لي لقد تلقيت العديد من المكالمات والرسائل لعدد من الأشخاص بمن فيهم الذين انتقدتهم يثمنون المقال مع إبداء الملاحظات على بعض ما جاء في المقال بلغة لائقة.
هنا أنهينا المكالمة الهاتفية بقولي له ننتظر منك مقالاً آخر ليس باسم مستعار، إنما بأسم صريح. مقال ليس فيه تجريح أو مديح!