ماهو “مسار بولونيا”.. الذي تعتزم التعليم تطبيقه؟
بغداد/علي غني
تصوير : علي الغرباوي
تعتزم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تطبيق (مسار بولونيا) التعليمي في العام الدراسي المقبل (2023 – 2024)، تحضيرات كبيرة، وندوات موسّعة، وبناء مختبرات وعقد مؤتمرات، سواء في الجامعات الحكومية أم الاهلية، كل هذا لشرح الأبعاد المستقبلية للمسار العلمي الذي سيكون بديلاً عن النظام الفصلي في الجامعات العراقية، فما هو هذا النظام الجديد؟ هل ينجح في بلد مثل العراق؟ هل يشمل الجامعات العراقية جميعها أم سيطبّق على بعض منها؟ وما هي الدول الملتحقة به؟ وما مدى التغييرات التي سيحدثها وستكون مؤثرة في نظام التعليم؟
هيكل جديد
وزير التعليم العالي د. نعيم العبودي أوجز في مقال له بهذا الصدد ما يمثّله مسار بولونيا من خط إصلاحي ضروري للهيكل التعليمي، مبيناً أن مسار بولونيا ليس نظاما تعليميا بحد ذاته بل إنه إطار يتضمّن مجموعة من الاصلاحات والاتفاقيات بين الدول التي تركز على جوانب مختلفة من التعليم العالي، إن قرارنا البدء بهذه الاصلاحات لم يأت عن فراغ، انما جاء بعد تقييم ومراجعة جادة للوضع الحالي لبيئة التعليم العالي ومؤسساتها الذي سيشهد تحديثا من حيث اعتماد المنهج الذي فرضته بولونيا على الطالب، لأن المنهج القائم على الموضوع أصبح قديما، ولم يعد محفزّاً لكلّ من الطالب والاستاذ.
اتفاقية بولونيا
جاءت تسمية (مسار بولونيا) من مدينة (بولونيا) الايطالية، وهي سابع أكبر مدينة في ايطاليا، أبرمت الدول الأوروبية (اتفاقية بولونيا) بين جامعاتها لجذب الطلاب الدوليين والتقدم في المجالات العلمية على مستوى العالم، وحتى يقوم الطلاب بتثقيف أنفسهم وفق المعايير المذكورة في الاتفاقية، التي وقعت عام 1999 لأول مرة بين 29 دولة أوروبية لتحسين المستوى الأكاديمي للجامعات الأوروبية.
ولا بد أن نشير الى أن النقطة المهمة هنا هي أن الجامعات التي تمنح درجة علمية لطلابها في أي من دول الاتفاقية هي درجات علمية معتمدة في جميع دولها، وبالتالي فإن الطالب المتخرج في هذه البلدان – التي سينضم العراق لها – يمكنه الدراسة ومواصلة العمل في الدول الأوروبية بشهادته.
منافسة علمية
عدّ الاستاذ الدكتور باسم عبيد عميد كلية الهندسة في جامعة النهرين نظام بولونيا الذي سوف تعتمده وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في كليات الهندسة والعلوم ابتداء من العام الدراسي 2023/ 2024 من المسارات التعليمية التي ستسهم الى حدّ كبير في رفع مستوى الخريجين، إذ يتضمّن هذا النظام التعليمي تجديدا في عملية التعليم والتعلّم عما معمول به في العقود السابقة (نظام الكورسات او النظام السنوي) وإكساب الطالب المهارات المطلوبة لضمان نجاحه في حقل العمل.
وتابع عبيد: يتميّز هذا النظام التعليمي عن نظام الكورسات بأنّه يعطي وزناً أكبر لجهود الطالب، إذ يركّز في عملية التعليم والتقييم والاختبارات على جهود الطالب ومبادراته وأفكاره ومهاراته، في حين كانت الساعة النظرية التي يقدمها التدريسي للطالب في نظام الكورسات تعادل وحدة واحدة، والساعتان او الثلاث التي يؤديها الطالب في المختبر او في حقل التطبيق تعادل وحدة واحدة.
أما في نظام بولونيا – والكلام لعميد كلية الهندسة في جامعة النهرين – فيكون وزن ساعة التعلّم للطالب يساوي وزن ساعة التعليم التي يؤديها التدريسي، كما يتميّز بإيجابيات أخرى، وهي أن الطالب ستكون له الحرية في التسجيل على التدريسي الذي سيدرس عنده المادة الدراسية في حال وجود أكثر من تدريسي لنفس المادة وهذا سيمنح الطالب دافعاً أكثر للابداع والتعلم، فضلا عن أنّه سيدفع التدريسي لبذل جهود أكثر واستخدام الطرق الحديثة والمختلفة في إيصال المعلومة للطالب، كي يضمن التقييم العالي من قبل الطلبة والإدارة، الى جانب أنّ هذا النظام يسهل الحصول على فرص عمل للخريجين في أوروبا وأمريكا كون هذا النظام معتمداً في القارة العجوز ومعترفاً به في امريكا.
هوية تعريفية
ويرى الاستاذ الدكتور حكمت نجم عبد الله عميد كلية علوم الحاسبات في جامعة النهرين أن اتجاه وزارة التعليم العالي في العراق نحو تطبيق مسار بولونيا في كليات الهندسة والعلوم الحكومية والأهلية على سبيل التجربة، لإعمام تطبيقه على باقي التخصصات للعام الدراسي 2023-2024 يمثّل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لما يحققه هذا النظام من فوائد مهمة لمنظومة التعليم الجامعي يمكن إيجازها على النحو الآتي: إن اعتماد مسار بولونيا يمنح هوية تعريفية لمنظومة التعليم الجامعي المعتمدة في العراق التي لم تكن محدّدة بنحو واضح وتعتمد على اجتهادات المؤسّسات التعليمية الجامعية، كما أن هذه الهوية التعريفية ستكون ضمن مجموعة الدول التي تعتمد مسار بولونيا وهي دول الاتحاد الاوروبي بالإضافة الى عدد من الدول من خارج الاتحاد؛ يصل عددها الى 43 دولة، وسيتيح للجامعات العراقية عقد الاتفاقيات العلمية والمضي بمشاريع التوأمة والتدريس المشترك مع الجامعات العالمية المعتمدة لهذا النظام وكذلك سهولة الاعتراف بشهادات الخريجين العراقيين لأغراض الدراسات العليا والعمل.
التعليم الذاتي
وتابع الدكتور عبد الله: الفائدة الاخرى هي إعادة صياغة المناهج وأساليب التعليم والتدريب بحيث يتم التركيز على التعلم الذاتي للطلبة وبما يخدم سوق العمل، وبالتالي تهيئة خريجين لهم فرص تنافسية عالية في العمل سواء داخل او خارج العراق، كذلك جعل نظام التعلم أكثر تشويقا للطلبة والاساتذة على حد سواء، فهو يتبنّى الانتقال من النظام الدراسي الممل الذي يركّز على الجانب الحضوري والامتحانات فقط لتقييم الطلبة الى الأسلوب الديناميكي في أوقات الدوام الصفي والدوام الحقلي الميداني، بما يلائم أوقات الطالب والاستاذ واعتماد أنشطة متنوعة.
وعما اذا كانت الملاكات العراقية قادرة على الانسجام مع هذا النظام يعتقد عبد الله أن الشروط اللازمة لتنفيذ مسار بولونيا متحقّقة في الجامعات العراقية، وأن لدى الملاكات الاكاديمية العراقية ما يكفي من الكفاءة لإدارة العملية التعليمية وفق هذا المسار وقد أنجزت بالفعل جميع الادلة والوصوفات المتعلقة بالمواد والبرامج الدراسية في الكليات الهندسية والعلمية، وتعمل الوزارة حاليا على إطلاق نظام تسجيل الكتروني يتلاءم مع طبيعة هذا المسار، كذلك لدينا ثقة كبيرة بوعي أبنائنا الطلبة لاستيعاب الابعاد الايجابية لهذا المسار وأنّهم سيدركون كيف سينمّي إمكانيات التعلّم الذاتي لهم ويقرّبهم من متطلبات سوق العمل بنحو أفضل.
ويراهن عميد كلية علوم الحاسبات في جامعة النهرين على هذا المشروع ويعدّه بداية صحيحة للجامعات العراقية لاستعادة مكانتها التي تستحق بين الجامعات الاقليمية والعالمية، فهو سيساعد كثيرا في ارتفاع مؤشرات التصنيف والاعتمادية.