ماذا تعرف عن مشروع المليون نخلة في بادية السماوه؟

199

السماوة – يوسف المحسن
بعد أن انخفضت أعدادها الى ثمانية ملايين في العام 2003 أعاد المزارعون العراقيون لها هيبتها، إذ أعلنت وزارة الزراعة في نيسان الماضي عبور أعدادها حاجز 22 مليون نخلة في وقت يشير خبراء الى أنّ الرقم بات مؤكداً بعد انطلاق مشروع المليون نخلة في بادية السماوة، الوزارة وعبر المتحدّث الرسمي محمد الخزعلي ذكرت أن تصدير العراق من التمور تجاوز في العام الماضي 600 الف طن.
الخزعلي عزا الزيادة الى حزمة إجراءات حكوميّة ودخول الزراعة النسيجيّة لفسائل النخيل التي أعطت نتائج جيدة.
ويقول الخبير الزراعي علي حسين فرحان: إنَّ محطات أمهات النخيل والزراعة النسيجيّة هي واحدة من الاجراءات المعتمدة لتحسين وإكثار أعداد النخيل كمنتوج اقتصادي مهم تراجع في التسعينيات ومطلع الالفية، وزارة الزراعة قدمت للمؤسسات والجامعات والفلاحين الراغبين فسائل أنواع نادرة من النخيل وبمواصفات قياسيّة، وثمة خطط وبرامج يجري تنفيذها لزيادة الأعداد واختيار الانواع الجيدة وتحقيق زيادة مماثلة في الكمّيّات، فرحان قال لـ(الشبكة): إن مشروع المليون نخلة في البادية الجنوبية عُدَّ طفرة حقيقيّة في القطاع الزراعي لما له من مردود اقتصادي واجتماعي وبيئي هائل، ويضاف الى ذلك المردود الروحي نتيجة الصلة الوطيدة لإنسان هذه الارض مع النخيل.
اقترنت النخلة بالثقافة الاجتماعيّة لإنسان وادي الرافدين منذ الالف الرابع قبل الميلاد، هي جزءٌ من التكوين المعرفي لذلك الإنسان، كانت حاضرة في النقش الاوّل وتمدّ جذورها في الارض متشبّثة بالحياة، هي أيقونة النماء والشموخ والصبر، وطالما طالبوا بإضافتها لعَلَمِ البلاد، مرّت بهزّات وتناقصت أعدادها لكنّها اليوم تنهض مثل العنقاء، هي النخلة العراقيّة.
أنواع جاذبة وبنك وراثي
محطات إكثار النخيل والزراعة النسيجية كانت حجر الزاوية في تحقيق هذا التقدم بأعداد النخيل، في قضاء الخضر الى الجنوب الشرقي من مدينة السماوة شيَّدتْ وزارة الزراعة محطة أمهات النخيل على مساحة واحد وتسعين دونما وضمت أكثر من ألفي فسيلة ذوات الأنواع النادرة والفاخرة من التمور، وأنشأت محطة إكثار أخرى بالقرب من بحيرة ساوة الى الشمال الغربي من المحافظة، ويقول رئيس المهندسين الزراعيين ريسان عطشان: إن المحطة التي أنشئت في أيار من العام 2004 تحوّلت الى بنك وراثي للأنواع عالية الجودة من الفسائل التي تم تزويد المؤسسات والجامعات والفلاحين منها وبآليات ميسرة شجّعت على إنشاء المزيد من بساتين التمور الممتازة مثل البرحي والبلكه والعمراني والشويثي وحلوة حجي عباس وغيرها إذ يجد المستهلك العراقي نفسه أمام رغبة الحصول على تمور عالية الجودة وزهيدة الثمن والاهم من ذلك هو أن تشرب النخلة من ماء الفرات ودجلة لتكتمل فرادة مذاقها وهو ما يصرُّ عليه الدكتور عزيز الموسوي كشرط أساسي لإعادة الرونق إلى النخلة العراقيّة.
رؤى تكاملية
في مدينة النخيل زحفت الابنية الاسمنتية وتوالت عمليات قطع أشجار النخيل لبناء الوحدات السكنية والمشاريع الصناعية الصغيرة، وهي مشكلة أسهمت في تناقص الأعداد في مركز ومحيط مدينة السماوة، ظلم كبير لحق بها، بينما الملوحة وشح المياه والآفات حققت نصيبها من أسباب التراجع، والقوانين المرعية لم تفلح بمنع إرادات قص النخيل وهو ما يؤشر الحاجة الى تشريعات جديدة وعاجلة من أجل حماية المتبقي من البساتين، إذ يشير الخبير الزراعي علي حسين فرحان الى أهمية العمل برؤية ستراتيجية شاملة لحماية النخيل وإكثاره من خلال تجهيز الفسائل وزيادة متوسط إنتاجها وتنشيط عمليات تسويق التمور إضافة الى بناء منظومة صناعية ملحقة لكبس التمور وتصنيعها، وبما يحيلها الى مصدر اقتصادي ستراتيجي، ويعيدها إلى الواجهة كهوية ثقافيّة عراقيّة مميزة ووجه آخر للشخصيّة العراقيّة.
النخلة والشخصية العراقية في تراتبية مبهرة، كلاهما صُقِلت برذاذ الايام وقحطها، هي بالنسبة للإنسان العراقي تتجاوز المعنى والدور الاقتصادي المتعارف عليه إذ تفقد المدن جماليتها ورونقها حين تفرّط بنخيلها، وعن هذا يعلّق الاستاذ الدكتور عزيز الموسوي بأنَّ الذات العراقيّة نمت بصفات تشبه صفات النخيل وربّما النخيل سحبت هذا السمو والصلابة والرفعة من الشخصيّة العراقيّة، الموسوي المتخصّص بالشعر العربي والمعروف بميله وشغفه بالبساتين يقول: “النخيل صار علامة فارقة تميّزت بها هذه الرقعة من الأرض، حتى صار شاغلاً للأدباء ومنهلاً للشعراء الذين تغنّوا بجماله وحجم عطائه”.