كم طفلاً فلسطيناً سيموت ليصحو ضمير العالم؟ تظاهرات التنديد تتسع وآلة القمع الصهيوني تتواصل
يوسف المحسن/
من الشرق إلى الشمال، وإلى أقصى الجنوب اللاتيني، تتسع دائرة الرفض والإدانة، فيما تزداد الجرائم تركيزاً على الأطفال والنسوة في غزّة. وحشيّة لم تشهدها حرب، وصعود لأرواح أبرياء لم يعهده ركام المدن. تحت الأنقاض ثمة أجساد بريئة، وفي صدور الشرفاء هنالك غصّة، إذ يحضر شرخ كبير في جدار الإنسانية الحكوماتية المزعومة، وجرائمهم فضحت ازدواجية المعايير.
أمام شاشات التلفاز، عبر سبعة مليارات جهاز هاتف نقّال، يتابع العالم ما يحدث في غزّة من جرائم يرتكبها جيش الاحتلال بدم بارد، هذا هو الفارق بين حملات الإبادة الجماعية قديماً وحديثاً. الجديد أنها تُنقل على الهواء مباشرة، فيما تسوق (عواجل) الأخبار مبررات تثير الاستهجان والحزن، وكأنها لوثة سوداء من الكراهيّة المبيّتة، أطفال ونساء ومدنيون يتعرضون للإبادة والمحق.
تظاهرات وفعاليات الرفض والتنديد بالفظائع التي تُرتكب تصاعدت هي أيضاً خلال الأسبوعين الماضيين، وما أريد له أن يكون متوارياً صار واضحاً. مدن المعمورة والأحرار فيها واصلوا مطالباتهم بإيقاف آلة الحرب وحماية الشعب الفلسطيني. منظمات إنسانية وأحزاب وحركات مجتمعية أطلقت صيحات استغاثة لإيقاظ الضمير الإنساني الذي هيمن عليه الإعلام المضلِّل.
كبرى التظاهرات في العاصمة البريطانية لندن كانت من بين ردود الفعل القوية، حيث خرج أكثر من نصف مليون ناشط ومتظاهر من شتى الجنسيات والأديان والأعراق في مسيرة جابت شوارع المدينة للتنديد بالجرائم التي تُرتكب. المتظاهرون حمّلوا حكومة (ريشني سوناك) مسؤولية ما يقع من عمليات قتل للأطفال والنسوة وتدمير للبنى التحتية، ولاسيما أن سوناك، وهو رئيس حزب المحافظين، لا يُلقي باللائمة على جيش الاحتلال في جريمة مستشفى المعمداني التي راح ضحيتها أكثر من 500 فلسطيني.. وباقي الجرائم المستمرة.
تظاهرات أمام البرلمانات
وليس بعيداً عن التظاهرة، أمام مبنى البرلمان البريطاني، كتب ناشطون من منظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين اسم طفل فلسطيني على أكفّهم. الطفل استشهد بسبب قصف قوات الاحتلال. المتظاهرون دعوا إلى وقفٍ فوري للأفعال المروّعة التي يتعرض لها الأبرياء.
وفي طرف آخر من القارة الأوروبية، اعترف رئيس وزراء النرويج (يوناس جار) أن الهجوم غير متكافئ، وتجاوز القانون الدولي الذي يؤكد على حماية المدنيين، قائلاً في تصريح لإذاعة NRK “أعتقد أنه جرى تجاوز هذا الحد بشكل كبير.”
فعاليات التنديد والرفض اتسعت أيضاً في عواصم غربية أخرى بعد أن غضّت الحكومات النظر عن قتل وتشريد الآلاف من الفلسطينيين وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة بالأسلحة المحرمة دولياً، مثل الفسفور والقنابل الفراغية. ففي مقاطعة (تورنتو) الكندية، اقتحمت ناشطات مقر نائبة رئيس الوزراء ووزير المالية وهن يرددن شعار “أوقفوا الإبادة الجماعية في فلسطين.” كما رفعن لافتات كتب عليها “الحرية لفلسطين” و “كفّوا عن القتل العنصري والأفعال الوحشية.”
وفي الشرق، حيث رُفعت الأعلام الفلسطينية في ملعب (أكسياتا) وسط العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال تجمع شعبي حاشد حضره رئيس الوزراء (أنور إبراهيم)، المتجمعون نددوا بالمجازر البشعة التي يتعرض لها أهالي غزة، واصفين إياها بجرائم ضد الإنسانية، مشهد تكرر في نيودلهي الهندية ومدن أسترالية عديدة.
العالم ينتفض
وعلى الجانب الآخر من الكوكب، كانت ردود الأفعال ضد الحرب الوحشية متوافقة على المستويين الشعبي والرسمي. الرئيس الفنزولي (نيكولاس مادورو) اعتبر الهجوم على غزة فعلاً مدمراً ومأساوياً ومرعباً في ذات الوقت. مادورو، الذي امتدح التظاهرات المنددة بالعدوان في إسبانيا وبريطانيا ونيويورك وباريس، دعا إلى دعم شعبي وحكومي واسع لمطالب الشعب الفلسطيني، مشدداً على ضرورة الإيقاف الفوري لعمليات قتل الأطفال والمدنيين في غزة. الرئيس البرازيلي (لولا دا سيلفا) -من جانبه- وصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية. سيلفا، الذي ترأست بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي، قال إن “الأطفال يقتلون، ولا أعرف كيف يستطيع إنسان أن يخوض حرباً وهو يعلم أن نتيجتها موت الأبرياء.”
فيما عدَّ الرئيس الكولومبي (جوستافو بيترو) العدوان فعلاً مداناً. بيترو الذي أعلن أن بلاده ستفتح سفارتها في رام الله، للإشارة الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أصدر توجيهات بإرسال مساعدات عاجلة إلى غزة.
تظاهرات في آسيا وإفريقيا وأمريكا، جميعها طالبت بوقف فوري للعدوان، واعتباره جريمة ضد الإنسانية يجري ارتكابها من الجو والبحر والأرض ضد بقعة من الأرض لا تزيد مساحتها عن 140 كلم2 فقط، وهي أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكّان المدنيين في العالم. جرائم ترتكب لإنقاذ كبرياء (نتنياهو) وجيشه الذي تعرّض إلى هزيمة ستقضي على مستقبله السياسي، وهو ما ذكرهُ (إيان بريمر) محرر الشؤون الخارجية في مجلة (تايم)، الذي يعمل تدريسياً للجغرافية السياسية في جامعة كولومبيا، إذ قال “إن بقاءه السياسي يعتمد على محو العار الذي واجهه بعد الفشل الأمني.” بريمر أضاف في تحليله الأسبوعي إن “النقطة الأكثر وضوحاً هي وجود أكثر من مليوني فلسطيني، نصفهم من الأطفال، وهم ليسوا طرفاً في الصراع.”
لكن السؤال يبقى معلّقاً: كم طفلاً فلسطينيا سيموت قبل أن يكمل العالم صحوته..؟