المخدرات ..آفة تفتك بكيان المجتمع وتدمر قواه الفاعلة
ذو الفقار يوسف/
يكتفي سالم بالنظر إلى وجه صاحبه سلوان، إنه الاندهاش الذي ترافقه الشفقة نحو شخص يحاول الانتحار، أراد لسانه أن ينطق بعبارات النصيحة، إلا أنه كان متيقناً من أن المتلقي سوف لن يفهم كلمة واحدة مما يقال له، كأنه تحول إلى شيء جامد، لا مشاعر له، بلا تفاعل مع العالم كله، لا يتحرك، وإذا فعل فكأنه نبتة ضربها الهواء فمالت ولم تستقم بعد ذلك مرة أخرى، لقد كانت حركته الوحيدة التي جعلت سالماً يتنفس الصعداء هي عندما مسح لعاب فمه ليأخذ بعد ذلك جرعته الثانية من المخدرات!
بداية النهاية
العديد من الشباب معرضون لهذا الخطر الذي يسمى بـ (المخدرات)، التي هي من نتائج الحروب والأزمات والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا والتأثر بها، ما يجعل الشاب العراقي في مصيدة هذه الآفة. يحدثنا (أحمد شاكر-22 عاماً)، الذي يقسم بأغلظ الأيمان بأن حظه في الدنيا كما وصفه بـ (سالب 10)، وأن المشكلات تتكاثر عليه بلا رحمة، وأنه في كل مرة يحاول التخفيف عن نفسه من خلال تدخين السكائر والأركيلة. يقول شاكر : لأنني أسكن منطقة نائية وعشوائية تكثر فيها تجارة المخدرات، أحارب نفسي خشية الاقتراب من هذه الآفة، وأكتفي بالتدخين عندما أشعر بأنني بحاجة إلى شيء يخفف علي ما أمر به من مشكلات ومنغصات للحياة، إلا أنني أخاف أكثر من أن أدخل في هذا العالم الذي لا عودة منه إلا أن أكون ميتاً، وما أمر به الآن سيكون حياة سعيدة في ذلك الوقت الذي سأدمن فيه على تعاطي (المخدرات).” يؤكد أحمد أن “البدايات هي التي تحدد كل شيء، لذلك سأكتفي بالسكائر، وابقي جسمي نظيفاً من هذه السموم، وأنتظر.. حسن الحظ”.
الأم والمدرسة
لا يغيب على الكثير أن للمدرسة دوراً مهماً في تربية الأطفال لحين وصولهم إلى مرحلة البلوغ، وهذا الدور يحتم على المدرسة والمعلم وعلى وزارة التربية بنفسها أن يكونوا طرفاً مهماً في محاربة هذه الآفة. الباحث الاجتماعي (صالح هادي) يضع يده على جزء ضروري من المعالجات لهذه المشكلة، محدثاً المواطنين من خلال منبر “مجلة الشبكة العراقية” ويقول: “إن أطفالنا يمضون نصف وقتهم في أحضان المدرسة، وهذا الوقت كافٍ لتوعيتهم بالعديد من الطرق التي تحول بينهم وبين مخاطر المخدرات، إذ يجب وضع مناهج ومراجع تجعلهم يعرفون مدى خطورة هذه الآفة وكيف أنها ستدمر حياتهم وأهاليهم إذا ما اقتربوا منها، فالمعلم العراقي له دور مهم في تلقين جيل بأكمله، وأبناؤنا سيبلغون رشدهم تحت أنظار المدرسة والمعلمين، وبهذا الأمر سيكون تلقينهم إيجابيا لتلافي الوقوع في هاوية التعاطي.”
يضيف هادي أن “للأم دوراً أكثر أهمية من غيرها في توعية أطفالها منذ صغرهم حتى اشتداد عودهم، فهي المربية التي يعتمد عليها الأب، لتكون تلك المنصة الإعلامية القريبة من نفوسهم، فالطفل يصدق كل ما تقوله أمه، وبالتالي لابد من وضع برامج تساعد الأم في كيفية توعية أطفالها في هذا الجانب الخطير.”
التثقيف حلا
وكما أن الإعلام الجيد والمتوازن يستطيع أن يهدم دولة بأكملها أو يبني أخرى، فلابد من تكاتف الجميع في هذا الجانب، بنشر البرامج التوعوية واستثمار التلفاز والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي لتثقيف المواطن العراقي بهذه الآفة ومدى خطورتها على المجتمعات، إذ لابد من التحرك سريعاً للنجاة وجعل الدول التي هدمت فيها المجتمعات ولم تعد الحكومات قادرة على السيطرة عليها مثالاً تحذيرياً لنا، وهذا ما فعلته الحكومة عندما باشرت من خلال توصياتها في هذا الجانب وبتصريح للهيئة العليا لشؤون لمخدرات في وزارة الصحة، بوضع أهداف تدفع بدراسة ملف المخدرات إلى الامام، فمن افتتاح مراكز تدريب لعلاج المدمنين في كافة المحافظات، إلى تزويد القوات الأمنية بأجهزة الكشف المتطورة، فضلاً عن الطائرات المسيرة والكلاب البوليسية، مع الاهتمام بإطلاق برامج التوعية والتثقيف بشأن خطورة المخدرات. كما أوضحت الهيئة أن المراكز الصحية استقبلت أعداداً كبيرة من المدمنين الراغبين بالخضوع للعلاج والتشافي بشكل تام.
الإرادة سلطان
أما الطبيب (صفاء الخالدي)، فقد أضاف إلى مخرجات حديثنا وإياه ونصائحه الصحية الصحيحة، وعياً آخر لحربنا ضد هذه الأفة، إذ يؤكد أن “غالبية الشباب يعتقدون أن تعاطي المخدرات يؤثر على العقل فقط، وهذا مفهوم خاطئ، إذ أن الجسم يتأثر من خلال تعاطي هذه المخدرات بشكل كبير، وهناك احتمال كبير بانفجار الشرايين، كما أن مشكلات القلب ستكون أسرع لديهم من شيخ يبلغ من العمر 90 عاماً!”
ويبين الخالدي أن “الإرادة هي التي تحول دون دخول دائرة خطر هذه الآفة، وعن أضرارها المتعددة حدث ولا حرج، فمن التهابات المخ والهلوسة وفقدان الذاكرة وارتفاع ضغط الدم وزيادة السموم في الجسم وتليف الكبد.. كل ذلك بالنسبة لما يمر به المتعاطي نقطة في بحر، ناهيك عن اضطرابات الجهاز الهضمي وفقدان الشهية وضعف الجسد بسبب قلة التغذية وضعف الجهاز المناعي ليكون المتعاطي بذلك معرضاً لجميع الأمراض الأخرى التي تزيد من نسبة هلاك الإنسان. وأخيراً وليس آخراً عزيزي المواطن: هل تحب أن تنتابك نوبات من الصرع؟!”