الرقص في ملهى الأنفاق الجهنمي

194

رئيس التحرير
سرمد عباس الحسيني/
بصدور هذا العدد من مجلتنا، تكون (حرب غزة) قد دخلت يومها السبعين.
سبعون يوماً و(إسرائيل) مازالت تراوح في مكان شعاراتها الموجهة إلى داخلها المهتز منذ نكستها في (7أكتوبر)، وتستنفد في مراوحتها كل حلولها المنطقية وغير المنطقية.
سبعون يوماً و(إسرائيل) مازالت تتسلق (شجرة) أحلام يقظتها، ولأجل النزول من الشجرة، لجأوا لـ(سلّم) فكرة يحفظ لهم بعضاً من ماء وجههم المضاع على أرض غزة، عبر فكرة إغراق (أنفاق غزة) بماء البحر باستخدام مضخات (عملاقة) شمال (مخيم الشاطئ في غزة)، في محاكاة للنموذج الذي طبقه الرئيس المصري الراحل، المعزول (محمد مرسي) الذي أغرق أنفاق غزة حينها بمياه المجاري النتنة، بعذر منع تهريب السلاح وتجارته ما بين (رفح وسيناء)، في حين رأى متابعون أن السبب الحقيقي يكمن في رغبة (مرسي) حينها في تعزيز ظهوره بمظهر الحليف الكبير للولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب تعثر المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، على الرغم من اشتراك (مرسي) والمقاومين الفلسطينيين في (غزة) بآيدلوجية مشتركة.
ومثلما تطورت وسائل الإغراق وأدواتها، تطورت الأنفاق ومساراتها، فأنفاق (حسني مبارك) و(مرسي) المغرقة منذ (2006 – 2013)، ليست كأنفاق (غزة) اليوم، التي حفرت بفعل سنين من العمل والكتمان، وامتدت لعشرات الكيلومترات كانت فيها تجربة الأنفاق الفيتنامية إبان حربهم مع الولايات المتحدة نموذجاً ملهماً ومتطوراً، تميزت بمساراتها المتعددة والمتشعبة والممتدة، إلى الحد الذي بالغ فيه بعض المتابعين، بأن هذه الأنفاق ربما.. ربما.. تمتد على كامل أرض فلسطين!!
مبالغة وصفية لا تنفي حقيقة وجود شبكة عنكبوتية معقدة من الأنفاق يكون فيها التهديد بإغراقها غير ذات معنى.
وبعيداً عن المبالغة، وقريباً من الواقعية التي اعتمدت عليها تركيبة وبناء الأنفاق على أسس متطورة، بنيت حسب متابعين على ثلاث مستويات (هجومية-دفاعية-لوجستية)، كما وأنها تعتمد على التمويه بدرجة كبيرة، وبعدم اتصال بعضها بالبعض الآخر، ولاسيما إذا ما علمنا أن (اسرائيل) قد حددت إلى الآن ما يقرب من (1000) نفق غير مضمون المسارات والمستويات والأهداف المتفرعة إلى عشرات الكيلومترات.
التجربة الفيتنامية التي وصفها العسكريون الأميركيون حينها بأنها (ملهى الأحراش الجهنمي) الذي ابتلع ما يزيد عن (60,000) جندي أمريكي، ماثلة أمام (الجيش الذي لا يقهر-سابقاً)، التي ابتدأت (هذه التجربة) بثيمة الأنفاق، ولم تنتهِ بالخسائر الاقتصادية الهائلة، وهروب المجندين من الخدمة العسكرية وساحة القتال، والهجرة العكسية من (أرض الميعاد) التي تجاوزت لحد الآن ما يزيد عن (500,000) شخص، وهو الأمر الذي دعا (إسرائيل) هذه الأيام للطلب من بعض الدول العربية إلى الوساطة من أجل عقد هدنة مؤقتة تلتقط فيها أنفاسها، وهو طلب رفضه المقاومون الفلسطينيون إلا بشروطهم المتمثلة بوقفٍ كامل لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين والانسحاب الكامل من غزة وغلافها.. وإلا.. ستُلزمُ (إسرائيل) حينها بالرقص طويلاً في (ملهى الأنفاق الجهنمي).
والله أعلم……