أم ريشة.. أيضاً!

294

جمعة اللامي/
“سأكون خطيباً مفوهاً هذا المساء.”
هكذا خاطب (أبو ريشة) نفسه، ثم تفرس مليّاً في المرآة التي تقابله، وصرخ: “أنا (شيشرون) القرون!” غصّ بضحكة أشبه بجلحلة، وقال مخاطباً مرآته: “ومن هو شيشرون هذا؟”
“البراطيل تنصر الأباطيل، وتحل.. السراويل”
(شيشرون)
ورد على نفسه: “لا أنا أعرف، ولا الجمهور يعرف، عرفاء الحفل يعرفون، وكلنا لا نعرف ما نريد أن نعرف، هذا إذا افترضنا أننا نعرف ما نريد أن نعرف!!” ضحك مرة أخرى. ضحك بصوت عال هذه المرة، فهو لا يعرف ما معنى هذه المرادفات، لكنه حفظها عن ظهر قلب، بعدما سرقها من دفتر ملاحظات يعود لمتأدّب يعاقر (مقهى المعقدين) المعروف في بلدته، بعد أن برطله بلتر عصير عنب مغشوش.

قال لذات نفسه: “الآن اكتملت العدة، فإذا سألني أحد أفراد الجمهور: من هنّ نساء شكسبير؟ سأذكر اثنتين من بنات (الملك لير)، أو (جوليت) المشهورة على نطاق واسع.” وأكمل فكرته: “دنيا كلها براطيل في سراويل، ولكن إذا ما ركبني الخور، كما يحدث لي مرات، ونسيت شيشرون أو أياً من نساء هذا الملعون البريطاني، فلسوف أخترع اسماً جديداً، وعندها سألقم خروفاً كل من يعترض عليّ!”

اطمأن الآن إلى خطته، ثم عاد يسأل نفسه:
– “أبوريشة.. هل تتذكر جوليت؟”
وردّ فوراً: “حبيبة روميو.”
أعجبه وضعه، وقال في سريرته: “مثلما تكونوا سيكون حاكمكم.” وضحك. وفي هذه الأثناء دخلت عليه (أم ريشة) مثل (أم العروس) تماماً، وقدمت له كأساً.
قالت: “يا خاين!” ونتفت شعرتين من فردة شاربه اليسرى. واستطردت: “اكذب يا عزيزي، ولسوف أصدق كذبك!”
قال: “عزيزتي، كانت ظهيرة (المعرض الآسيوي) للفنون التشكيلية غلطة ذهبت أدراج الرياح.” “أدراج الرياح!”.. أعجبته العبارة، وأسرع إلى أجندة ترافقه وسجل على صفحة بيضاءعبارة: “أدراج الرياح”، وضحك من بين براطمه.

تذكر (أبو ريشة) شيشرون. أنجده الاسم فقط، ونسي تماماً عمله. قال: “من يعرف، سواء قلت إنه وزير كاليغولا، أو صديق (كاليفاس)؟”
“كاليفاس”.. ومن هو هذا؟
لم يجد جواباً، ثم حاول أن يتذكر، “لم أنا أمام المرآة؟” لا جواب أيضاً. “ماذا سأعمل بعد ساعة؟” لم تسعفه ذاكرته كذلك. صرخ عالياً: “أم ريشة … تعالي إلى جانبي.”
أطلت عليه امرأة، لا يعرف اسمها، وقالت له:
ـــ “يا خاين، لقد سقيتك شراباً ينسيك حتى اسمك.”
خزر أبو ريشة الشخص الذي يقابله في المرآة، وقال:
ـــ “من انت؟ من أنت؟!”