إجراء امتحان لكل من يرغب منهم في ممارسة (المهنة)..
ارشيف واعداد عامر بدر حسون/
في الطريق المؤدي.. الى سراي المحاكم.. رأيته جالساً وراء منضدة متآكلة “سكر” عليها الزمن واكل وقد تكومت أمامه بضع أوراق.. وقلم حبر من النوع القديم.. ومحبرة (جافة).. ولا شيء غير هذا.
اما صاحبنا فكان نحيف الجسم لم تعرف ملابسه “العنابة” ابداً بينهما عداء مستحكم يرتدي “سترتين طبك” من باب المحافظة على الصحة وسروالا مهلهلاً..
هنا..
وإضافة لكل هذا ينظم الشعر الشعبي “الحر”.. وله في “ساحته” صولات وجولات أهلته للإمارة، إمارة الشعر الشعبي..
فهل عرفته..؟
واذا لم يسعفك الحظ بالتعرف عليه فأنني أتبرع “مجانا” لاقول لك شخصية هذا الرجل العصامي.. الذي نظم الشعر في كل الألوان وجاهد مخلصاً في سبيل تنقية الجو، جو المهنة.. من الخبثاء “السختجية”.. وحاول هو وأصحابه الوقوف أمام الشدائد والمصائب التي حلت بهم من جراء بعض الأعمال التي اقترفها الدخلاء..
* اسمه غازي الجميل..
* عمره 40 سنة (وشوية)..
* زاول مهنة العرضحلجية مدة 16 سنة
* دعا زملاءه الى ايجاد نقابة تلم شملهمم.. وتدافع عن حقوقهم.. وأنه مستعد لترشيح نفسه كنقيب أول.. للنقابة الجديدة
* متزوج وله بنتان..
* كان كاتبا في الجيش برتبة عريف
واجتمعت “بالنقيب” بعد وساطة قام بها بعض الأصدقاء
وفي معرض الكلام سألته
* لماذا أصبحتم هكذا منبوذين في المحاكم والدوائر الأخرى.. ويحاول بعضهم طردكم منها؟
– الحق.. مع كل من يفكر بترحيل كتاب العرائض من الدوائر.. بسبب الأعمال التي قام بها بعض الدخلاء على وسط “العرضحلجية”.. فالكذب.. والاحتيال.. وابتزاز أموال الغير هي كل رصيد هؤلاء الدجالين.. فاشتكى منهم الزبائن.. لدى المسؤولين “فاحترق بذلك الأخضر بسعر اليابس” .. فكرههم الناس وطاردتهم الشرطة واتمنى يأتي اليوم الذي نتخلص به منهم حتى يستريح بالنا ويهدأ حالنا..
* لماذا سميتم “بالعرضحلجية”..؟
– لأننا نعرض حال “الزبون” فيما نكتبه له من شكاية وظلامة الى المسؤولين.. وهي كلمة دخيلة.. توارثناها عن العثمانيين قبل الحكم الوطني..
* هل تتطلب مهنة كتابة العرائض من شروط؟
– لا توجد شروط.. وانما توجد صفات شخصية يجب أن يتحلى بها كل كاتب عرائض إضافة الى معرفته للأمور الكتابية الجيدة ذات الاسلوب المعبر المؤثر..
فالصدق والصراحة والأمانة والارشاد هي صفات “الكاتب” الناجح.. فإذا فقدها كلها او بعضها.. عليه أن يتخلى عن المهنة والحذر من تشجيعه.. لانه سيتمادى في غيه.. وحينها يزداد عدد ضحاياه.
* هل تجيد الضرب على آلة الطابعة؟
– نعم وقد تعلمتها منذ مدة، والشيء الذي يحز في نفسي ويؤلمني هو عدم وجود آلة كاتبة تخصني.. ولو كنت أملك واحدة منها لكان ربحي وفيرا..
* هل أن كتّاب الطابعة يربحون كثيراً؟
– ربحهم وفير.. وفير جداً.. وذلك بسبب ارتفاع الأجور التي يحصلون عليها عن طبع العرائض واللوائح..
* هل تنظم الشعر الشعبي؟
– نظمت الشعر الشعبي وأنا صبي ولا زلت أقرضه في المناسبات.
* أي الأغاني تفضل العراقية أم المصرية؟
– العراقية طبعا.. وخاصة المقامات التي يغنيها يوسف عمر..
* رأيك في القبانجي كمغن؟
– هذا أبوهم.. أبو المغنين كلهم..
* أمانيك في العام الجديد..
– أتمنى أن تحل مشكلة زملائي.. حلا عادلا مرضيا وذلك بايجاد محال خاصة بهم يزاولون فيها أعمالهم.. ولكي تنقى المهنة من الدخلاء يجب على المسؤولين أن يجروا امتحانا لكل كاتب عرائض ولكل من يجتاز هذا الامتحان يسمح له بمزاولة أعماله..
كما عليه أن يقدم شهادة عدم محكومية.. وشهادة حسن السلوك وغيرها من الوثائق التي تؤكد اهليته وكفاءته..
وإضافة لهذا اطلب من الحكومة الموقرة أن تسن قانونا يكفل حقوقنا.. ويضمن لنا المستقبل عند الشيخوخة والعجز اسوة بقانون العمال، وأن يسمح لنا بايجاد نقابة تتكفل بنا.. وتدافع عن حقوقنا.. لنعيد ماضي “العرضحلجية” المجيد الماضي الذي كنا فيه نتمتع بسمعة طيبة.. وأن نتخلص من دلالي المحامين الذين شوهوا سمعتنا وكرامتنا وانني ارشح نفسي لنقابة “العرضحلجية”.. ربنا حقق الاآمال والأماني.
طرائف
وروى لي “النقيب” الذي لم ينتخب –بعض “السختجية” من زملائه..
حيث قال:
زار شخص غريب أحد كتاب العرائض وطلب منه أن يتوسط لدى “المدير” لاجل تشغيله في احدى الوظائف الشاغرة.. فرد عليه “العرضحلجي” ان متصرف اللواء صديقي وابن مدرستي وسأخذ منه توصية الى المدير.. فاذهب.. الان وعد الى بعد غد.. لتجد التوصية.. وفي اليوم المعين اعطى كاتب العرائض للرجل الغريب مظروفاً.. وقال له انه من عند المتصرف الى المدير يوصيه بل ويأمره في أن يعينك بأي وظيفة تطلبها.. ففرح الرجل واخذ المكتوب بعد أن اعطاه مبلغاً من المال وذهب الى المدير..
وبعد أيام..
وبدلاً من أن يرجع “الرجل” الى كاتب العرائض ليشكره حضر اليه بعض أفراد الشرطة وطلبوا منه السفر الى “اللواء” وهناك أمام المتصرف اعترف بحيلته وقال له:
* عمي والله.. اني هلكان.. جاني هالخير وكال لي تعرف المتصرف.. فكتله هذا صديقي.. جنه اني واياه سوه بالمدرسة.. وسويتهه.. وهسه عاد مروتك.. شتفصل اني البس..
فضحك المتصرف.. وعفى عنه بعد أن منحه قليلاً من المال.. ودعاه يرجع الى بغداد لمزاولة “المهنة”..
كان (…) موظفاً محترما، وقد وكلت اليه الدائرة امر قبض رواتب الموظفين من البنك وتوزيعها على موظفي الدائرة في نهاية كل شهر..
وفي نهاية احد الشهور الماضية.. خرج صاحبنا من الدائرة وفي جيبه شك، بمبلغ ضخم، ذاهباً الى البنك وقبل أن يدخله عرج الى النادي وجلس أمام البار وراح يشرب من الخمر.. وكان عند مجيئه الى النادي – راكبا حصاناً، ليسهل له الوصول بسرعة الى البنك..
وظل يشرب حتى ثمل فقال يخاطب نفسه
– لك هسه آني نفس.. ولعد خطية حصاني مو نفس؟
ونهض من مكانه بعد أن اخذ في يده (بطلاً) مملوءا بالعرق المعتق.. وسكبه في “السلطة” ثم ذهب به الى الحصان, وجعله يشرب فسكر الصديقان..
واخرج الموظف الشك من جيبه وراح يمرره أمام عيني الحصان السكران مما اثار فيه غريزة الاستحواذ فمد (بوزه) وتناول الصك باسنانه.. ثم التهمه، فاستقرت ارقام الدنانير في اعماقه..
واستفاق صاحبنا ولكن بعد خراب البصرة..
فعاد يلفق يلفق الحكاية وكان جزاؤه الطرد من الوظيفة..
فماذا يعمل.. بعد هذا الطرد؟
فاتجه الى العمل الحر.. الى كتابة العرائض، وبدأت حيله على الناس تتكاثر وآخرها قصته مع المصلاوي، حيث زاره الأخير وطلب منه أن ينجز له معاملة في مديرية التقاعد، فما كان من “الكاتب الفاشل” الا وقال للمصلاوي المدير صديقي، والموظفون كلهم أصدقائي، وأنت أن شاء الله تأخذ (دفتر التقاعد) اليوم وترجع الى بلدتك..
بس كلي اشكد عندك فلوس..
– اربع دنانير..
– انطينياها وروح انت –واستلم الكاتب الاربعة دنانير ولكنه لم يف بوعده بالرغم من مرور مدة طويلة.
فاستحق اخونا المصلاوي المثل البغدادي المأثور..
(لا حظت برجيلهه ولا خذت سيد علي)..