قسوة بعض المعلمين تؤثر سلباً على نفسية الطلبة تربية وتعليم أم اجتهادات قابلة للتأويل؟

133

بغداد / علي غني/
لا يكاد يمر يوم في المدارس من دون شكاوى لأولياء أمور التلاميذ أو الطلبة على الإدارات أو المعلمين، بسبب التعامل غير التربوي مع أبنائهم. وعلى العكس تماماً، تتهم الإدارات المدرسية والملاك التعليمي -أو التدريسي- تقصير تلك الأسر وابتعادها الكلي عن تربية أبنائها وترك هذه المهمة على عاتق المعلمين والمدرسين، ما يزيد في أعبائهم الوظيفة.
لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل التربية واجبة على المعلمين والمدرسين، أم أنها من مسؤولية الأسرة؟! ولمَ يلجأ بعض المعلمين والمعلمات الى التعامل بقسوة مع بعض التلاميذ وبشكل سافر يستفزهم ويجعلهم يكرهون المدرسة؟
صراع داخلي
تقول الصحفية ميساء إنها تعيش صراعاً داخلياً مع نفسها، لأن ابنها الوحيد التلميذ في الصف الرابع الابتدائي، الذي يعاني من (توحد بسيط) سبب له بعض التأخر في دراسته، إذ بدلاً من أن تراعي مديرة المدرسة وبعض المعلمات حالته الصحية، فإنهن أحياناً يوبخنه على كل صغيرة وكبيرة، ما جعله يفقد الثقة بنفسه، لتثبط معنوياته، فقد أصيب بحالة خوف من المدرسة، وصار يتوسل بوالدته أن يتركها.
يقيناً أن هناك كثيراً مثل حالة ابن الزميلة ميساء، وربما أشد، لكننا حتماً سنجد مديرة مدرسة تعالج الأمور بروح تربوية عالية، فيما قد نجد أخرى بعيدة عن الروح التربوية. وهنا يجب إعادة النظر بشروط اختيار الإدارة المدرسية.
أسمى مهنة
قلنا لنبدأ النقاش في التفتيش التربوي، لكونه على اطلاع بالعديد من المشكلات التربوية، وهو المعني بحلها، فلم نجد أكثر تعاوناً من المدرس المساعد وسام عبد الخضر خلف، الاختصاصي التربوي ومسؤول التفتيش التربوي في تربية الكرخ الثانية، الذي وصف مهنة التعليم بأنها أسمى مهنة في الوجود إذ يقول: “يعد المعلم قدوة يقتدى بها، لذلك لا ينحصر دور المعلم والمدرسة في التعليم والشرح وضخ المعلومات العلمية للطلبة، وإنما يمتد دورهما الى الإرشاد والتوجيه وتقويم السلوك وترسيخ القيم والمبادئ السامية.”
يتابع عبد الخضر: “المعلم هو مربٍّ وإن لم يرشد، لذلك فإن التربية تعد أهم من التعليم، فهي الأساس في التنشئة وتربية الأجيال والرقي بالأخلاق، لهذا يتقدم اسم التربية على التعليم (وزارة التربية والتعليم)، وهنا يأتي دور المعلم في تعديل سلوك طلبته، وبما أن الطالب يقضي نصف نهاره في المدرسة، لذلك يكون التأثير واضحاً وملموساً في تغيير السلوك، وبهذا تكمل المدرسة دور الأبوين والبيت في التربية والمتابعة.”
يضيف أن “من أهم أهداف التربية والتعليم في العراق هو تقديم التنمية النفسية والروحية والتربية الأخلاقية على التعليم، فتتبين لنا بذلك أهمية التربية، وباختصار فإن التعليم لا ينفع بلا تربية.”
المعلم قدوة
فيما ترى الأستاذة المساعدة الدكتورة صبا حامد حسين، التدريسية في كلية ابن رشد – جامعة بغداد، أن “دور المعلم لا يقتصر على التعليم فقط، وإنما أساساً في غرس العادات والأخلاقيات الجيدة، ومحاولة تغيير السلوكيات غير المرغوب فيها، لأن المعلم هو القدوة الحسنة التي يقتدي بها المتعلم، لذا يجب أن يكون هناك تواصل مستمر بين المدرسة وأولياء الأمور لمعالجة الحالات غير الصحيحة التي يمارسها بعض المتعلمين.”
وتابعت (الدكتورة صبا): “يجب تفعيل دور المرشد التربوي في المدارس لتفادي الحالات الصعبة في بدايتها، لكن الأمر المهم الذي أصبح واضحاً للأسف هو أن هناك بعض أولياء الامور يرفضون التعاون مع إدارة المدرسة ولا يقبلون أن يقال عن أولادهم بأنهم يمارسون سلوكيات غير صحيحة، وبذلك تصبح المدرسة عاجزة عن معالجة مثل هذه الحالات، وأعتقد أن هناك اجتماعات دورية لإدارات المدارس مع أولياء الآمور، الهدف منها ليس فقط الجانب التركيز على الجانب العلمي للمتعلمين، وإنما معرفة ما يمر به المتعلمون من أزمات او مشكلات، ومحاولة إيجاد الحلول لها قبل أن تتفاقم بحيث لا يمكن السيطرة عليها.”
الظاهرة تتفاقم
وأوضحت أنه “يجب أن يعطي أولياء الأمور الإدارة -والمرشد التربوي تحديداً- الحق في محاسبة المتعلم إذا ما أخطأ، لأن دور المدرسة الأساس هو غرس القيم الأخلاقية الجيدة، والابتعاد عن السلوكيات غير المرغوب فيها، لذا يجب أن يكون هناك تواصل مستمر بنحو دائم بين أولياء الأمور والمرشد التربوي من جهة، وأولياء الأمور والمعلمين من جهة أخرى، لننقذ أطفالنا من الآفات الاجتماعية المنتشرة هذه الأيام، ولكي نبعدهم عن الوقوع في الخطأ. أما بالنسبة للإحصائيات عن عديد الحوادث السلوكية في المدارس فهي كثيرة (ظاهرة تتفاقم)، لكن للأسف بسبب خوف المدرسة على سمعتها، يجري التكتم على هذه الحوادث، وهذا غير صحيح، لأنه يجر الى حوادث أكبر، لذا يجب تحديد المشكلات السلوكية ومسببيها وإيجاد الحلول لها.”
يحب معلمته
من جانبها، عدّت المعلمة أسيل كمال من مدرسة ابن الأرقم الابتدائية أن “المسؤولية تقع على البيت بالدرجة الأكبر، إذ إن على أولياء الأمور متابعة أولادهم وتثقيفهم بمكانة المعلم من أجل أن يتخذوه قدوة، لأن التلميذ إذا أحب معلمه -أو معلمته- اقتنع بنصائحهما، وأنا من خلال تجربتي في التعليم وجدت أن معظم العائلات العراقية تمنح المعلم سلطات معنوية لردع أبنائهم المشاكسين، بل تخولهم حتى (ضربهم)، مع العلم أن العالم قد تجاوز موضوع ضرب الطالب وتعنيفه بسبب عدم التحضير او حفظ الواجبات، وأن القوانين كلها تمنع ضرب الطالب لأن ذلك يؤثر في شخصيته ونفسيته، وضرورة عدم الانتقاص منه ومن كرامته.”
في حين رأت مديرة مدرسة الدورة الست أفراح عبد الستار أن “مفردة التربية تتقدم على مفردة التعليم، لأننا غالباً نحاول أن نعدل سلوك التلاميذ، ولاسيما ذوي فرط الحركة، أو المصابين بأمراض معينة، كما أن العديد من أولياء الأمور يفضلون تدخل المدرسة في توجيه أولادهم، لأن التلميذ غالباً ما يحب معلمته -أو معلمه- ويسمع كلامهما، وبذلك تصبح المفردتان (تربية وتعليم متلازمتين في المدرسة العراقية.”