الزي البلوشي.. الفن والأصالة

157

طهران / منى السراج/
البلوش هم مجموعة من القبائل التي تقطن مقاطعة (بلوشستان)، التي تمتد بين إيران وباكستان وأفغانستان، وهم يعتنقون الإسلام ويتحدثون اللغة (البلوشية)، التي تعتبر من أقدم لغات المجموعات الهندية الإيرانية.
تعد ملابس البلوش من أغلى الملابس، وذلك بسبب أنها تطرز يدوياً، إذ يستغرق إنجاز البدلة الكاملة، التي تشمل اللباس والحجاب والسروال والأكمام، بين ستة أشهر الى سنة ونصف السنة تقريباً، بحسب كل زي وأشكاله المختلفة. مع ذلك فقد أخذ الزي البلوشي في الانتشار بشكل واسع في الكثير من الدول، ومنها الدول العربية، وبالأخص في سلطنة عمان.

نشأة التطريز عند البلوش
يعود فن التطريز في بلوشستان الى آلاف الأعوام، إذ إنهم من أوائل الذين عملوا بهذا الفن، لكن دون معرفة زمن محدد له، وذلك بعد دراسة النقوش الحجرية وكذلك الفخاريات المتبقية في مختلف المناطق في بلوشستان، مثل (كلبوركان – قبل 7 آلاف سنة)، والمدينة المحروقة (قبل 5 آلاف سنة)، بحسب المؤرخين.
يقول الباحث في الثقافة البلوشية (زاهد آرام): “استوحى القدامى النقوش المطرزة على الملابس النسائية في بلوشستان من التاريخ القديم، واعتمدوا على نقش صور الطبيعة، مثل الجبال والأنهار والورود أو الأشكال الهندسية المختلفة، وكذلك أشكال الحيوانات مثل مخلب النمر وريش الطاووس والحمامة. وأثرت الحداثة والأحداث التاريخية والسياسية ووسائل الإعلام الحديثة على هذا الفن، ما أدى الى ابتكار نقوش جديدة.”
أهمية التطريز عند البلوش
ينتقل فن التطريز من جيل إلى جيل عبر التركيز على تعليم البنات البلوشيات منذ الصغر، اللاتي يتقنّ جميعهن فن التطريز بالإبرة، وذلك لسببين أساسيين، أولهما هو التزام البلوش بثقافتهم العريقة والحرص على ارتداء الملابس البلوشية فقط، ومن جهة أخرى فإن السعر المرتفع للملابس الجاهزة يدفع البلوشيات لتعلم التطريز وتفصيل ملابسهن بأيديهن.
ويختلف أسلوب التطريز بين منطقة وأخرى في بلوشستان بالنسبة للملابس وسراويل النساء، حتى أنه يمكن للشخص تمييز الطائفة والمدينة التي تنتمي إليها الفتاة من خلال تطريز ملابسها والنقوش المستخدمة فيها.
يشير البلوش الى أن “لكل بلوشية بحدود 15 إلى 20 قطعة من الملابس، إذ تقوم كل منهن بخياطة لباس أو لباسين جديدين لنفسها في السنة (ملابس البيت واليومية والاحتفالات). وتستوحي الملابس البلوشية تصاميمها من الخيال (أي من الخيال مباشرة على القماش)، ولكن حالياً صار الأمر أكثر سهولة عن طريق استخدام الأختام الخشبية لنقل النقوش على الأقمشة بواسطة الحبر، ثم تطريز تلك النقوش.
وهنالك إقبال كبير بين الجيل الجديد من البنات على تعلم فن التطريز بالإبرة، لأنهن يقمن بخياطة ملابسهن بأيديهن، وهناك تنافس بين البنات على استخدام أحدث النقوش والألوان بأساليبهن الخاصة، كما إنهن يحملن أدوات التطريز معهن للعمل فيها في أي وقت ممكن، حتى أثناء الزيارات. وبالإضافة إلى استخدام فن التطريز بالإبرة في ملابس النساء، فإن هذا الفن يستخدم أيضاً في صناعة بعض الأكسسوارات، مثل: غطاء الوسادات والأسرّة، وحزام الكاميرا، وربطة العنق، والمحفظات والحقائب والمناديل وغيرها.
أنواع الأزياء التقليدية البلوشية
تبرز الأزياء دور الهوية والانتماء القومي، إذ نجد أن جل الشعوب تتخذ الأزياء مجالاً خصباً لإبراز شخصيتها الثقافية والدينية والعرقية.
الزي البلوشي النسائي:
يتفرد الزي البلوشي النسائي عن غيره بكثرة الزخارف وتنوع التطريز، فنجد مثلاً الـ (پشك) وهو اللحاف. والـ (سَريگـ) وهو السروال (شلوار)، كلها تتفرد بالزخرفة والزينة الخاصة. كذلك يمتاز الثوب البلوشي من حيث الحجم بكونه ضيقاً قليلاً في الوسط، واعتداله عند الصدر، كما تعمل كسرات صغيرة في الوسط بشكل متجاور، لكن الثوب يصبح متسعاً أكثر حتى يصل إلى نصف الساق. ويكون (طرز) الصدر إلى الوسط بزخارف متنوعة نباتية، كما أن الجزء السفلي من الثوب يسمى (پندول)، وهو عبارة عن جيب واسع لحفظ الأغراض أو المتعلقات، وهو أيضاً تجري زخرفته بالطرز، وكذلك الكم. إلى جانب ذلك تستعمل المرايا الصغيرة عن طريق تثبيتها بالطرز، ويصنع السروال من نفس لون الثوب. والأمر نفسه بالنسبة للحاف المسمى (سَريگ). أما السروال، الذي يسمى (شروال)، فهو طويل يصل إلى كاحل القدم، ويكون فضفاضاً وواسعاً.
شهادة من اليونسكو:
جدير بالذكر أن فن التطريز البلوشي حاز على شهادة الأصالة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو)، وكذلك سجل ضمن قائمة التراث الوطني الإيراني. ويقتني السياح تحفاً جميلة من الإكسسوارات المطرزة على الطريقة البلوشية، للمعاني الجميلة التي تحملها في طياتها من تاريخ وثقافة وجمال الطبيعة.
أخيراً نقول إنه يجدر بهذا الفن الجميل أن يقيّم، إذ إن الطاقة الكامنة عند البلوشيات تعتبر ثروة إنسانية وفنية، كذلك ضرورة الاهتمام الخاص بالاستثمار والتسويق بعد أن طرقت الأزياء البلوشية الأبواب العالمية.