“ثانية يجيء الحسين” الرمز وجوهر الصراع

55

الشبكة العراقية/

لاشك في أن للمسرح رسالة مرئية تؤدي وتبعث معاني متعددة، إذ يعد أي عمل مسرحي عبارة عن مجموعة من الأفكار والرؤى التي يؤلف بعضها مع بعض بنية شكلية فيها شيء من التناغم. ولاشك في أن لثورة الإمام الحسين وملحمة الطف تأثيراً مهماً على المسرح وعلى كتّابه، فقد كونت تلك الملحمة خليطاً من المضامين الفكرية تحمل في طياتها كثيراً من المواقف أﻣﺎم اﻟﻣﺧرﺟﻳن واﻟﻣؤﻟﻔﻳن ﺑﺎﻛﺗﺷﺎف أدوات وإﻣﻛﺎﻧﻳﺎت ﺟدﻳدة ﻓﻲ الخلق اﻹﺑداﻋﻲ واﻟﻔﻧﻲ اﻟﻣﺳرﺣﻲ.

الحلم والنور
في مدينة انغمست بالتراجيديا ومأساة كربلاء، الإمام الحسين (عليه السلام) شاخص في كل ركن فيها، المنابر الحسينية والثقافة الدينية والشعبية والطقوس الدينية التي لاتنفصل عن تلك المدينة. في هذه البيئة ولد الشاعر محمد علي الخفاجي، حيث نشأ وترعرع وكبرت هذه الطقوس معه، إلا أنه كان يتفحص كل شيء، وأراد أن يكون جزءاً من هذه الطقوس.
في المرحلة الابتدائية كتب قصيدة في مدح الإمام علي، ثم كبرت في داخله تلك الطقوس، وبات يرتقي منصات الاحتفالات في كربلاء. وحين بلغ من العمر 22 عاماً كتب ملحمة ومسرحية (ثانية يجيء الحسين)، التي كانت ردة فعل على كل ما يجري في ذلك الوقت من نكسات في الواقعين العربي والإسلامي، وذلك بسبب سياسات الأنظمة الرجعية، إذ رأى في استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) حلمه الذي أبصر النور. حاول من خلال المسرحية أن يمزج مابين ثورة الحسين، ومايعانيه الواقعان العربي والإسلامي.
لم يعتمد محمد علي الخفاجي على الذاكرة الشعبية التي رسمت للحسين كثيراً من المهابة والتقديس، فالأمر كان بحاجة إلى تهذيب، لذلك أدخل في مسرحيته تلك الذاكرة الشعبية لتهذيبها. كانت كربلاء في ليلة العاشر يلفها الظلام ويقام فيها العزاء ويلبس الرجال السواد. هذه المشاهد أدخلها الخفاجي في الفصل الأخير من المسرحية.

الرمزية والصراع
(ثانية يجيء الحسين) للكاتب محمد علي الخفاجي، مسرحية شعرية تتألف من ثلاثة فصول، الفصلان الأول والثاني منها تضمنا ثلاث لوحات في كل فصل، أما الفصل الثالث فتضمن أربع لوحات. وكما حدد الكاتب زمن مسرحيته من سنة 60 هجرية حتى سنة 1967م التي كتبت المسرحية في أواخرها. لقد عمد الخفاجي في نصه كثيراً إلى استخدام الرمز، سواء في ملاحظاته أو في حوارات شخصياته، فلقد أشار في بداية اللوحة الأُولى من الفصل الأول إلى وصف منظر القاعة في ملاحظته التي نصت على أن يظل أول كرسي في القاعة فارغاً طوال مدة العرض في انتظار الآتي، وإلى جانب الكرسي هناك بزة فارس يعلوها سيف معلق، بهذا يكون قد مهد لنهاية أحداث مسرحيته برمزه للكرسي الفارغ الذي ينتظر المنقذ والمخلص لواقع المظلومين والمستضعفين في الأرض، الذي ينتقم للإمام الحسين ولثورته الانتقام الأكبر، المتصل بالوعد الإلهي في تخليص البشرية من كل الظالمين والفاجرين على وجه الأرض.
لم يقتصر الترميز على تلك الأشياء فقط، وإنما هناك النافذة التي ينكسر الضوء قبل دخولها في بيت محمد بن الحنفية، إذ إن مرض محمد بن الحنفية يعني مرض الواقع آنذاك. الشجرة اليابسة التي يورق فيها -فيما بعد- غصن أخضر أيضاً. الإمام العباس (عليه السلام) كان حاملاً الراية، فجعله رمزاً للقوى الطليعية، فيما كان الطفل يرمز للواقع الذي سيأتي. الماء كان يمثل لديه رمز الحياة. الموروث الشعبي يقول إن الشمر كان أعور العين، فجعله الخفاجي يمثل الشخص الذي ينظر إلى الحقيقة من طرف واحد. كثير من الرموز ضمنها في المسرحية ليزيد غناها، ولكي يظل فيها عنصر المفاجأة باستمرار.
جوهر الصراع يكمن في أن الحسين (عليه السلام) يدعو إلى الفضيلة، فيما كان هناك الشمر الذي يدعو إلى ما هو عكس ذلك. وحينما تكاد المسرحية أن تنتهي يأتي صوت يصيح “ثانية سيجيء الحسين”، فيرد عليه النقيض “وثانية سيجيء الشمر”.
“خلفت لكم أولادي لأن الصراع سوف يبقى ما دام هناك سيئ وجيد، وخير وشر، وعجلة الكون والعالم لا تدور إلا بدفع هذا الصراع ..”