سحر الأربعين

66

نجم الشيخ داغر/

أتصور أن الله تبارك وتعالى يأمر الإمام الحسين (ع) في كل عام أن يضرب بعصا محبته حجر قلوبنا، فتتفجر منه عيون الخير والمحبة والألفة والتواضع وكل خلق حسن، ليفيض بحر النعم في الأربعين فيغدو الناس نهراً مِن كرم يبهر العقول، سائراً نحو سيد الشهداء، طائفاً بضريحه، باكياً داعياً متضرعاً معتذراً متطهراً، ثم عائداً وهو محمل بأصناف اللطف الإلهي.

هكذا هي زيارة أربعينية سيد الشهداء (ع) لمن يسأل عنها، أو قل جزءاً من صورتها الملكوتية المنعكسة على قلوب وأرواح محبيه في الأرض، ولاسيما العراقيين منهم.
وأنا أنظر إلى كل هذا، كم تمنيت أن تقف الصورة ويتجمد الزمن عند ساعة الأربعين بتوقيت الحسين (ع)، هذا السحر الذي يحيل العراقيين، بفضل حب الإمام الشهيد، إلى أشبه بالملائكة.
تساءلت كثيراً عن مصدر هذا الزخم الهائل من العشق، وما الذي يجبر شاباً محترماً غاية في الوسامة أن ينزل إلى قدمي الزائر متوسلاً تدليكهما طمعاً بإراحته من عناء المسير ولو قليلاً؟ ما الذي يدفع مئات الآلاف من الفقراء إلى التبرع بقوتهم خدمة للحسين؟ ما السر في عدم تعب أو تبرم آلاف الخدام وهم يقفون لأيام مواصلين الليل بالنهار في خدمة أناس لا يعرفونهم؟ والسؤال الأهم: من الذي جمع هذا الكم الهائل من خدَمة العشق؟ ومن الذي نظمهم.. ومن ومن ومن؟
الذي يريد رؤية زمن المعجزات فليأتِ إلى أربعينية الإمام الحسين ليرى بأم عينيه كيف يحول الله الناس إلى ملائكة كل عام في أيام معدودات، وكأنه يقول: تستطيعون أن تكونوا هكذا إن تحليتم بالحب وحده، كما يجمعكم حب هذا الشهيد المظلوم كل عام.
إذن، الدرس المهم، والعبرة المذهلة العجيبة التي قد تغيب عن أذهان الناس بسبب انغماسهم بالعشق في أيام الخدمة والمسير نحو المعشوق الشهيد، أننا نستطيع التغير والتحول من حال إلى حال أفضل وأكثر كمالاً، وأن المسألة ليست ضرباً من المستحيل.
القضية التي قد تبرز هنا، التي قد تطرح حلاً أو تفسيراً لهذا اللغز العجيب، هذا اللغز الذي يحول العراقي المعروف بعصبيته إلى كائن يكاد لشدة لطفه أن يستحيل إلى غاية في الشفافية، هو وجود القائد المتحلي بكل صفات الكمال والجمال المتمثلة والمتجلية بالإمام الحسين(ع)، الأمر الذي يجعل الملايين مندفعين للارتباط به والانتماء إليه بأية صورة ممكنة.
من هنا، قد أجزم أن هذا ما يفتقر إليه مجتمعنا بشدة، لذلك تراه في حالة عطش شديد وهيجان عاطفي وشوق منقطع النظير للارتماء في أحضان هذا الإنسان الكامل في أيام خدمته المباركة، وكأنه يتيم عاد أبوه من رحلته الغيبية.
من هنا، لو درس القادة والزعماء هذه الأيام، لأيقنوا أنه كلما تشبه الإنسان بالإمام الحسين (ع)، بمواقفه ونبله وإيثاره وتضحيته التي لا يتصورها عقل، كلما جذب الجماهير إليه وقادهم نحو العلى، لكن بشرط إصلاح النفس أولاً كي نستطيع إصلاح غيرنا، وكما يقول أمير البلغاء علي بن ابي طالب (ع): “من قدر على نفسه كان على غيرها أقدر.”