الــحُـسَيـن
جمعة اللامي/
من يُبوّب الحسين لطائفة أو ملّة بعينها ليس حسينياً. ومن ينكفئ على نفسه في عملية هروب جبانة ومذعورة، ليس حسينياً.
“معلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من
معلم الناس ومؤدبهم”
(الإمام علي)
يحفظ أهل العقل وأصحاب الضمير، للإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام، أنه صاحب مشروع نهضوي إنساني، مبني على شرع الله تعالى، وعلى سُنة رسوله الكريم، عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم، سداه ولحمته: “الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.”
فمنذ ألف سنة، وعليها أربعة قرون، حفظته صدور أحرار الكوكب، وتغنت بذكره قصائد الشعراء، واغتنت بذكراه صحائف المؤرخين، وناداه نفر من أقوام شتى على مذاهب وأفكار مختلفة. لأنه كان ابناً للهواشم، وسبطاً للعرب، ونشيداً لكل حر في هذه الدنيا.
الحسين مشروع عالمي للحرية.. والحسين لأحرار العالم كلهم.. فهو نادى بوطن حر لناس أحرار، سواء أكانوا على دينه أم على غير الإسلام، عبدوا الله أم اتخذوا ثقافة غير دينه ديناً. إنه يقول لأعدائه: “إذا لم تكونوا أحراراً في دينكم، فكونوا أحراراً في دنياكم.”
وهذا هو جوهر المفهوم الإسلامي للحرية. وهذا هو البيان الأول للحرية بالعالم في زمانه.
هكذا يرى الحسين أن الأوطان الحرة يبنيها المواطنون الأحرار، قبل أن يطلق “فولتير” عبارته الشهيرة تلك. وهذا هو الوطن الحسيني، ثورة ثقافية مستمرة، لا مكان فيه لأوثان العصبية، ولا إيوان فيه لأصنام الجاهلية، وتجسيدات الحجر القيصري والكسروي والطواغيت.
من يحب الحسين ـ والحسين حب خالص – لا يكره العرب، ولا يزدري العروبة، ولا يشوه الثقافة العربية، ولا يشمئز من ذكر كلمة “عربي”. ومن يحب الحسين لا يوثن الحسين، لأن الحسين ليس صنماً، أو وثناً، إنما هو بشر يمشي في الأسواق، طريقه العصمة والتسديد الإلهيين!
السلام على شهيد العرب والمسلمين والأممية البشرية كلها. السلام على جده وأبيه وأمه وصحبه، وعلى كل من عرف أن الحسينية ثورة دائمة، وهي استكمال لاستعادة البشرية عذريتها المنتهكة بعد الانقسام الاجتماعي الذي قاد إلى الاحتكار والتسلط والعنصرية.
من يُبوّب الحسين لطائفة أو ملّة بعينها ليس حسينياً. ومن ينكفئ على نفسه في عملية هروب جبانة ومذعورة، ليس حسينياً. فالحسين مواجهة بين الحسين والحسين، وليس بين الشيطان والحسين فقط.
في ذكراه المتجددة نقول: سلام على الحسين، ثقافة للتغيير الشامل، تختار البشر وليس الحجر، وتنطوي على نظرة متقدمة إلى المرأة كما هي فاطمة وزينب، لا تريد في الحياة عوجاً، رافعة من: “سُنة الرسول والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لافتة تعيد إلى البشرية طهارتها الأولى.
والسلام على العراق الموحد بأرضه وشعبه وثقافته المتعددة في النوع، المتوحدة في المنبع الإنساني الضخم. والسلام على محبي الحسين وورثته في القول والعمل والضمير، فوق أي أرض من كوكبنا هذا.