مسلسل (الجنة والنار).. خير مطلق وشر مفتوح

787

محسن العكيلي/
بين الجنة والنار، خير مطلق أو شر مطلق. هكذا كان الصراع منذ الأزل، والحرب سجال والنصر لا يحسم دائماً، ذلك هو الواقع الذي تعيشه النفس البشرية. الخير والشر لطالما كانا مادة دسمة لكتاب الدراما التي تعتبر نواة الفن، مرآة الواقع التي من خلالها يكتشف المشاهد إرهاصات المجتمع الذي ربما يخفى على البعض، وهي من أفضل الأعمال الأدبية التي يُحاكي الكاتب والممثل من خلالها الواقع الذي يمكّن كادر العمل من معرفة رأي الجمهور من حوله، وردود أفعالهم حول ما طرح من مواضيع.

على مدار سبعة أشهر من التصوير، وبمشاركة أكثر من مئة ممثل، يحاول مصطفى الركابي الاشتغال على تلك المعادلة درامياً، لكن هذه المرة كان الأسلوب مختلفاً وبعيداً عن كل الاشتغالات في الدراما العراقية.
(الجنة والنار)، صراع الخير والشر، منذ حلقاته الأولى أحدث ضجة كبيرة في الشارع، وبين أوساط النقاد، لما قدمه من أسلوب جديد ونقلة نوعية في الدراما العراقية، إذ جذب الجمهور لمتابعته بما امتلكه من رؤية جديدة وما سلطه من ضوء على حالات اجتماعية مستقاة من أرض الواقع، فضلاً عن اللهجة الجنوبية العراقية الحقيقية التي استخف بعضهم بها في غالبية الأعمال الدرامية السابقة. في هذا العمل قال المشاهدون “ها نحن نشاهد أنفسنا بعيداً عن الإسفاف والاستخفاف بالشخصية الجنوبية.” الخروج من مركزية الدراما في بغداد، سيغني الدراما بأعمال كبيرة تحظى برضا ومتابعة المشاهد لتعدد الثقافات والبيئات المختلفة التي غالبا ما تكون ولادة للإبداع.
تصوير المسلسل في بيئة حقيقية، الأسواق والأحياء الشعبية وتعالي أصوات الباعة، وحركة الكاميرا غير المقيدة، والعفوية في كل شيء، كل تلك الأمور كانت السبب الرئيس في نجاح العمل.
صراع الخير والشر
فرج الشيطان، تلك الشخصية المميزة بشرّها، التي أجاد تجسيدها الفنان سنان العزاوي، الذي ربما أدى دوراً مختلفاً عن كل أدواره السابقة، يمكن القول أنها انعكاس لشخصيات مختلفة في المجتمع، تخفي بين زواياها منطقها الشيطاني ولسانها المعسول الذي من خلاله تغوي ضحاياها. فرج عاد إلى الناصرية بعد وفاة أخيه هاشم، حيث اتهم سابقاً بدس السم لزوجة أخيه. فرج اتهم بكل عمل قبيح استهدف عائلة هاشم بشكل شيطاني، العزاوي صنع عالماً خاصاً به، مليئاً بروح الشيطان التي لا يمكن لها أن تهدأ، فتارة تراه حنوناً عطوفاً، وفي أخرى تراه مليئاً بالحقد والكراهية، ذلك التنوع والانتقال في الشخصية كان لابد من أن يكون وراءهما ممثل قدير يجيد الانتقال بين تلك الشخصيات، وله القدرة في إقناع المشاهد.
أما الفنان أمير عبد الحسين، الذي خرج من شرنقة الكوميديا، الذي جسد دور حيدر ابن هاشم، فقد حاول بكل السبل الحفاظ على أسرته من شرور فرج. عبد الحسين قدم أداء مبهراً بعيداً عن التكلف، متخذاً العفوية طريقاً له في أداء تلك الشخصية.
صدق وعفوية
ثلة فنانين من أبناء الناصرية، في مقدمتهم الشاعر حيدر الحمداني، الذي جسّد دور محمد، الابن الأكبر لهاشم، أجاد بشكل تام دور الابن الأكبر الملتزم بالأعراف والتقاليد الجنوبية. الفنانات اللواتي ربما كانت مشاركتهن هي الأولى لهن، لكنهن أجدن في أداء أدوارهن، ولاسيما في مشهد وفاة الأب هاشم، وطريقتهن في البكاء وعتاب الراحلين، ربما هي البيئة التي احتوتهن والحزن المعجون بها جعلت أداءهن بهذا الصدق والعفوية. فضلاً عن الأداء المبهر لأمير أبو الهيل، وياسر البراك، وزمن علي، وعمر دبور، وتحسين داحس، وأحمد نسيم، وغيرهم من الممثلين.
في الخاتمة نقول: ربما ستندم بعض القنوات التي لم تشترِ حقوق البث لهذا العمل الذي أصبح (ترند) المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي.