الفيروز النيشابوري.. حجر الظفر

83

طهران / منى السراج/

يعد الفيروز من أكثر الأحجار الكريمة المعروفة عالمياً، والفيروز كلمة فارسية تعني (الظفر)، فهو إذن حجر الظفر. وتعد إيران مصدراً رئيساً لأحجار الفيروز منذ 3000 عام على الأقل، فقد استخدم الفيروز الأزرق في العمارة الإيرانية لتغطية قباب القصور، فبحسب العقيدة الايرانية تاريخياً، كان يعتقد أن لونه يمثل رمزاً للجنة على الأرض! وكان يسمى بـ (الحجر الوطني) في البلاد لآلاف السنين، إذ استخدم على نطاق واسع لتزيين المساجد. وغالباً ما كان يجري نقش الفيروز الإيراني بكلمات دينية بالخط العربي، التي كانت تُطعّم بالذهب، واستخدم في الهند أيضاً إلى جانب الياقوت والألماس في المعالم الأثرية، مثل تاج محل.

مناجم نيشابور
تعد مدينة نيشابور موقعاً مهماً لاستخراج ‏حجر الفيروز، إذ يعود تاريخ منجمها إلى نحو 7 آلاف سنة، ويعد منجم المدينة للفيروز من المناجم الفريدة من نوعها والأكثر شهرة والأعلى جودة في العالم، ما ‏زاد في شهرة الفيروز الإيراني وأضاف إليه قيمة ومكانة، إذ لا نجد نظيراً لجودة ولون حجر الفيروز المستخرج من هذه المدينة بين أمثاله ‏المصري والصيني والأميركي، حتى بات حجر الفيروز النفيس أحد معالم ‏إيران العالمية. وفي كثير من البلدان يسمون الفيروز بـ (الأزرق الفارسي)، ويعود تاريخ استخراجه من المناجم إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام.
يقع أكبر منجم للفيروز في العالم في تلال جبل (بينالود) على بعد 53 كيلومتراً من شمال غربي مدينة نيشابور، تبلغ مساحته 40 ألف كيلومتر مربع، موزع بين عدة أنفاق، يستخرج منها 16 نوعاً من أجود أنواع حجر الفيروز في العالم، بلونه الأزرق الصافي، وتحظى أحجاره المستخرجة من هذه المناجم باهتمام وإعجاب كثيرين في أرجاء العالم.
تيجان الملوك
لطالما تزينت أيدي وتيجان ملوك بلاد فارس بالفيروز، إذ إنهم كانوا يؤمنون بأن حملهم ‏لهذا الحجر يحميهم من الموت الكارثي (غير الطبيعي)، لذا راج استخدامه ‏في المجوهرات وأغلفة الكتب وتزيين أطباق وحاويات الملوك والطبقة ‏الأرستقراطية في تاريخ البلاد. ‏
لون السماء
بعد دخول الإسلام إلى إيران خلال الفترة التي امتدت من القرن الـ13 حتى الـ 19 ‏الميلادي، بات اللون الأزرق الفيروزي يستخدم في إنشاء الجوامع في إيران، دلالة ‏على لون السماء، وما تحمله من صفاء وعظمة.‏
‏ينقسم الفيروز النيشابوري إلى قسمين، الأول هو الفيروز العجمي، وهو ‏دائري الشكل أزرق اللون، خالٍ من أية عروق أو تخللات، ويعد الأكثر طلباً والأغلى، إذ يكون تداوله بأسعار مرتفعة جداً. ‏والثاني هو الفيروز الشجري، بلونيه الأزرق والأخضر، وتتخلل هذا النوع العروق والنقوش، ويعد مرغوباً من قبل بعض المهتمين كدليل ‏على أنه طبيعي أكثر مقارنة بالنوع الأول.‏ وللفيروز أسماء أخرى مثل: الفيروزج، والبيروزه، وحجر العين، والشذر، والتركواز، والكاليه.
صناعة قديمة
يعد فن صياغة وصقل أحجار الفيروز من الصناعات القديمة المتجذرة في عمق التاريخ الإيراني، ولاسيما في إقليم خراسان شمال شرقي إيران، حيث يعمل نحو 20 ألف إيراني في مجال صقل وصياغة وبيع حجر ‏الفيروز، معظمهم من سكان مدن مشهد وقُم ونيشابور وأصفهان والعاصمة ‏طهران، ومن أجل تخليد هذه الصناعة وتعريفها على المستوى العالمي، عدّت منظمة التراث الثقافي والصناعات اليدوية ووزارة السياحة الإيرانية منجم نيشابور، المنجمَ ‏السياحي الأول من بين مئات المناجم التي تُستخرج منها عشرات الأنواع من ‏النحاس والأحجار الكريمة وغيرها.
وبتعريف محافظة خراسان الرضوية كمركز حجر الفيروز وصياغته على مستوى البلاد والعالم، يتوافد السياح الأجانب على زيارتها ‏والتعرف إليها سنوياً.
وبما أن أحجار الفيروز تُصدر الى أوربا عن طريق تركيا، لذلك أطلق الأوربيون على هذا الحجر القيّم اسم (تركويس)، بينما يُعرف في دول جنوب شرق آسيا باسم (بيروز)، وخلال السنوات الأخيرة رفعت وزارة السياحة والتراث الثقافي ‏والصناعات اليدوية ملف مهنة صياغة حجر الفيروز إلى منظمة ‏اليونسكو لتسجيله عالمياً، على أمل أن تتحول مدينة نيشابور إلى مدينة ‏عالمية لاستخراج وصياغة حجر الفيروز النفيس، كما تبذل البلاد جهوداً ‏لتغيير اسم الحجر من (تركويس) إلى (فيروز). ‏
تستقبل مدينة نيشابور، الواقعة بالقرب من مرقد ثامن أئمة أهل البيت، ‏الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد، مئات الآلاف من السياح سنوياً بغية شراء ‏الخواتم والحلي المزينة بالأحجار الكريمة الإيرانية، فتمتلئ أسواقها ‏الشعبية بورش صقل الأحجار التقليدية.‏ يذكر أن أكبر حجر فيروز في العالم جرى تعليقه على مدخل ضريح الإمام الرضا (عليه السلام).
خصائص علاجية
يتغير لون حجر الفیروز عندما يمرض من يرتديه، ومن فوائده أنه يُحسن الرؤية عند النظر إلى الفيروز النيشابوري، كما أنه يقوي الجسم، وينشط الشخص، ويزيد من قوة القلب، كذلك يستخدم مسحوق الفيروز الأزرق في علاج لسعات العقرب، وعلاج أمراض المعدة، ويُستخدم أيضاً في علاج الجروح ، والتورم، والألم، وعلاج أنواع الصداع المختلفة، والصداع النصفي، وآلام العضلات والعظام، وعلاج الإمساك، كما أنه فعال في تهدئة مرضى الأعصاب وتبديد القلق.