فزعة عراقية العراقيون يلبون نداء السيد السيستاني

39

بغداد / وليد التميمي

فيما تتوالى الاعتداءات التي تنفذها آلة الحرب الصهيونية ضد المواطنين العزل في الضاحية الجنوبية وبقية مدن لبنان، عبرت المرجعية الدينية في العراق عن تضامنها مع الأشقاء اللبنانيين ومواساتهم في بيان مثّل دعماً ستراتيجياً للبنان، وخريطة طريق واضحة لمن يرغب في تقديم الإسناد بأشكاله كافة.
فقد أصدر مكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني بياناً حول العدوان الإسرائيلي على لبنان جاء فيه: «في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب اللبناني الكريم، حيث يتعرض بصورة متزايدة للعدوان الإسرائيلي الغاشم، وبأساليب متوحشة، شملت تفجير أعداد كبيرة من أجهزة الاتصالات الشخصية ونحوها، واستهداف مساكن مكتظة بالمواطنين، حتى من النساء والأطفال، وشنّ غارات مكثفة على عشرات القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، ما أسفر – لحد الآن – عن استشهاد وجرح أعداد كبيرة من المقاومين الأبطال وغيرهم من المدنيين الأبرياء، وتهجير عشرات الآلاف عن مساكنهم ومنازلهم، تعبّر المرجعية الدينية العليا عن تضامنها مع أعزتها اللبنانيين الكرام ومواساتها لهم في معاناتهم الكبيرة، رافعة أكفّ الضراعة إلى الله العلي القدير أن يرعاهم ويحميهم ويدفع عنهم شر الأشرار وكيد الفجّار، وأن يشمل شهداءهم الأبرار بالرحمة والرضوان ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء العاجل.
وإذ تطالب المرجعية ببذل كل جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر، وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة، تدعو المؤمنين إلى القيام بما يسهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية. حفظ الله لبنان وشعبه العزيز من كل سوء ومكروه».
وما إن صدر بيان سماحته، حتى لاقت دعوته المباركة للتضامن مع الشعب اللبناني، إثر العدوان الصهيوني الغاشم، صدىً وتفاعلاً كبيرين من الحكومة العراقية والقوى السياسية والاجتماعية، وفعاليات المجتمع المدني.
رفع الأعلام
فيما دعا زعيم التيار الوطني الشيعي السيد مقتدى الصدر إلى رفع الأعلام اللبنانية والفلسطينية إلى جنب العلم العراقي فوق سطوح المنازل والمحال والعمارات وفي الطرق والأزقة.
وقال سماحته في بيان بخط اليد: «قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).. فانصروا المجاهدين في لبنان وفلسطين بما يلي:
أولاً- رفع الأعلام اللبنانية والفلسطينية إلى جنب العلم العراقي فوق سطوح المنازل والمحال والعمارات وفي الطرق والأزقة.
ثانياً- قراءة دعاء أهل الثغور نصرة لبيروت والقدس الشريف بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب يومياً..فالله تعالى مجيب سميع الدعاء. ثالثاً – المجاهدون (لاسيما في لبنان) بحاجة إلى العلاج والدواء والأطباء، فعلى من يستطيع معونتهم فلا يقصر في ذلك رجاءً أكيداً… اللهم فانصر المجاهدين في فلسطين ولبنان الحبيبتين وثبت أقدامهم بحق محمد وآل محمد… مقتدى الصدر».
وفيما كان سماحته أول المتبرعين بالمال دعما للبنانيين في محنتهم، فإنه دعا أصحاب المواكب الحسينية في العراق إلى فتحها أمام النازحين اللبنانيين الفارين من الأحداث التي تشهدها بلادهم.
وكتب في منشور على منصة (إكس) قائلاً «أدعو إخوتي أصحاب المواكب على طريق كربلاء لفتح مواكبهم أمام النازحين من لبنان وحسب الحاجة». داعياً إلى «جمع التبرعات المالية لفتح مواكب في لبنان وسوريا لمساعدة الجرحى والنازحين.»
جسر جوي للمساعدات
وفي أولى خطواتها، سارعت الحكومة الى استلهام مضامين بيان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، فقد أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أن «موقف المرجعية ليس بالجديد، فهي طالما أعلنت، وعلى مدى سنوات، عن تشخيصها الحكيم لأصل وجود الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين، ومحاولاته زرع الفتنة وتوسعة الصراع في المنطقة».
وأشار إلى أن «المواقف المعلنة لحكومتنا كانت واضحة وصريحة منذ البداية برفض العدوان الغاشم على غزّة، وعلى كل فلسطين الصامدة، فضلاً عن اعتداءات الكيان الغاصب على سيادة بعض الدول في المنطقة.»
وتضامناً وإسناداً من العراق، حكومةً وشعباً، مع الأشقاء في لبنان، حسب توجيهات المرجعية الرشيدة، أعلن السوداني «تنظيم الجهود ونقل المساعدات التي يحتشد فيها الجهدان الشعبي والرسمي، في بذل كل ما من شأنه أن يخفف من معاناة الأشقاء في لبنان، من خلال جسرين، جوّي وبرّي، وتسهيل إرسال الوقود لتشغيل محطات الكهرباء التي تحتاجها المستشفيات والمؤسسات الخدمية اللبنانية.
وفي خطوة للتخفيف من معاناة الأشقاء اللبنانيين، وجّه السوداني بـ «تمديد سمة دخول المواطنين اللبنانيين المتواجدين في العراق واستثنائهم من قانون إقامة الأجانب، وذلك جراء ما يتعرض له لبنان من هجمات اسرائيلية.»
كما وجّه بتمديد سمة دخول المواطنين اللبنانيين المتواجدين في العراق دون الحاجة إلى السفر لمدة ثلاثين يوماً، تمدد مرة أخرى، استناداً الى أحكام قانون إقامة الأجانب رقم (76 لسنة 2017)، بسبب ما يمر به لبنان من ظروف حرب قاهرة.
ووجه أيضاً بإعفاء المواطنين اللبنانيين المخالفين، في الوقت الحاضر، من العقوبات المنصوص عليها في القانون أعلاه، واستمرار منح سمات الدخول مجاناً للمواطنين اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية العراقية.
موقف ثابت
الى ذلك، أدان رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد بشدة «العدوان الذي يتعرّض له الشعب اللبناني، الذي أسفر عن مقتل وإصابة المئات من المواطنين، محذراً من تطور ينذر بتبعات خطيرة على المنطقة كافة».
وأكد الرئيس «وقوف العراق إلى جانب أشقائه في فلسطين ولبنان.» مجددا مطالبته المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في وقف الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.
وطالب رشيد بـ «ضرورة اتخاذ موقف دولي لوقف الأعمال العدوانية، التي قد تؤدي الى انزلاق المنطقة نحو سيناريوهات خطيرة لا تخدم أحداً، ومنع التصعيد وتمدد الحرب إلى لبنان أو أية منطقة أخرى.»
قمة عربية
من جانبه، دعا وفد جمهورية العراق، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، إلى عقد قمة عربية وإسلامية تهدف إلى وقف عدوان الكيان الإسرائيلي على لبنان. وقدم العراق هذا المقترح خلال اجتماع الجامعة العربية على المستوى الوزاري المنعقد في نيويورك، على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
خريطة طريق
فيما عد الإطار التنسيقي بيان المرجعية الدينية العليا بأنه يشكل «خريطة طريق لمن يرغب بتقديم الدعم والإسناد إلى لبنان وفلسطين.» مؤكداً في الوقت نفسه «استنكاره وإدانته للجرائم التي تنفذها آلة الحرب الصهيونية ضد المواطنين العزل في الضاحية الجنوبية وبقية مدن لبنان.»
وأعرب الإطار في بيان له عن «تحيته لأبطال حزب الله الشجعان المرابطين، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله.» معلناً «استعداده الدائم للوقوف إلى جانب الأشقاء اللبنانيين في محنتهم بكل الوسائل الممكنة، دعماً لصمود ومقاومة حزب الله الأبطال.»
ودعا الإطار جميع أبناء الشعب العراقي وأصحاب الهيئات والمؤسسات إلى «فتح باب التبرعات وتسيير قوافل الدعم الإنساني، للتعبير عن التلاحم والتضامن مع الشعب اللبناني الشقيق ومقاومته البطلة».
فزعة عراقية
هيئة الحشد الشعبي، وتلبية لنداء المرجعية العليا، أعلنت انطلاق الحملة الإغاثية الشعبيّة الكُبرى في العراق بعنوان (فزعة عراقية).
وقالت الهيئة في بيان لها: «التزاماً بمسؤوليتنا الدينيّة والإنسانيّة والأخويّة، وتلبيةً لنداء المرجعية العليا في النجف الأشرف، متمثلةً بسماحةِ آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)، تعلن هيئة الحـشد الشـعـبي عن انطلاق الحملة الإغاثية الشعبيّة الكُبرى في العراق بعنوان (فزعة عراقية)، إسناداً لإخوتِنا من أبناء الشعب اللبناني العزيز وهم يتعرضون لعدوان صهيوني همجي غاشم تسبب باستشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين الأبرياء والمقاومين الأبطال وتهجير عشرات الآلاف من منازلهم ومناطقهم، بالمبالغ المالية والمواد العينية اللازمة والمساعدات الإنسانية والطبية المطلوبة».
وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قد أعلن، في بيان له، عن «استعداد الهيئة واستنفارها التام لإبداء كل أنواع المساعدة للأشقاء في لبنان إثر البيان الذي أصدره المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، فيما يخص ضرورة بذل كل جهد لوقف العدوان على لبنان.»
استضافة العوائل المنكوبة
وأمتثالاً لدعوى المرجعية، أعلن ممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، عن تشكيل العتبة الحسينية المقدسة لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني، مؤكداً «استعداد العتبة لاستضافة العوائل المنكوبة من الشعب اللبناني، الذين يتعرضون إلى هذا العدوان، وتوفير جميع مستلزمات الإيواء والضيافة والسكن والإطعام على الوجه الذي يليق بهذا الشعب الصادق والصامد.» مشيراً إلى «انطلاق حملة الإغاثة الطبية والإنسانية للشعب اللبناني.»
وأضاف أن «هناك قوافل ستتوجه عبر البر وعبر طائرات النقل العسكري، لإيصال هذه المساعدات الطبية، وكذلك تأمين الاحتياجات الغذائية، واحتياجات الإيواء التي ستقدم عبر مجموعة من الشاحنات لتصل إلى المناطق المقصودة في لبنان.»
من جانبها، أعلنت غالبية القوى والكيانات السياسية العراقية موقفها الواضح من الهجمات الأخيرة بحق فلسطين ولبنان، من خلال بيانات شجب واستنكار وحملات تبرع مالية للمساهمة في تخفيف العبء عن كاهل الأشقاء في البلدين.
تغطيات إعلامية
واستجابة لنداء المرجعية الدينية العليا الخاص بالعدوان الصهيوني على لبنان وشعبه ومقاومته، أعلنت شبكة الإعلام العراقي، ممثلة بمجلس أمنائها ورئاستها وكوادرها، وقوفها التام إلى جانب الإخوة في لبنان الشقيق. مؤكدة «استنفار التغطيات الإعلامية وتسليط الضوء على جرائم العدوان الصهيوني في لبنان وغزة.»
وقالت رئاسة شبكة الإعلام العراقي ومجلس الأمناء في بيان إنه «استجابة لنداء المرجعية الدينية العليا بخصوص العدوان الصهيوني على لبنان وشعبه ومقاومته، تعلن شبكة الإعلام العراقي، ممثلة بمجلس أمنائها ورئاستها وكوادرها، وقوفها التام إلى جانب الإخوة في لبنان الشقيق، الذي يواجه اعتداءات همجية تستهدف أمنه وسيادته، من خلال استنفار تغطياتها الإعلامية وتسليطها الضوء على جرائم العدوان الصهيوني في لبنان وغزة وثبات الشعبين اللبناني والفلسطيني في مواجهة قوى الاستكبار.»ِ
في حين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار العدوان الصهيوني على لبنان وفلسطين، إذ استنفر المثقفون والفنانون وبقية الشرائح الاجتماعية والمنظمات الإنسانية جهودهم في حملة لدعم لبنان وفلسطين الشقيقتين عبر بيانات استنكار وإدانة للهجوم البربري الصهيوني على البلدين العربيين، وعلى الصمت الإعلامي الغربي والعالمي إزاء ما يحدث في المنطقة العربية، ووقوف حكومات الدول الغربية موقف المتفرج من هذه الجرائم الإنسانية التي ترتكب بحق المدنيين العزل.