عمرهــــا أكثــــــر مـــــــن 1500 عــــــــام كنيسة القصير.. معلَم أثري شاخص في كربلاء

15

عامر جليل إبراهيم – تصوير/ مفتشية آثار وتراث كربلاء
إلى الجنوب من العاصمة بغداد بمسافة (155) كم، وإلى الجنوب الغربي من مركز محافظة كربلاء بمسافة تقدر بـ (65) كم، في منطقة تبدو اليوم صحراء جرداء خالية من أية مظاهر للزراعة، إلا من بقايا أعمال الحراثة التي تعود لسنوات طوال، حين كانت مصادر المياه تغطي حاجات المنطقة من المياه الصالحة للشرب وأعمال السقي، تقع كنيسة (الأقيصر) أو (القصير)، التي تعد من أقدم الآثار المسيحية في العراق، إذ يرجع تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي.

“الشبكة العراقية”، من خلال رحلاتها للتعريف بالسياحة الدينية والأثرية، زارت هذه الكنيسة بمرافقة منقبة الآثار (إيمان عباس فاهم) لتحدثنا عن هذا الشاخص الأثري قائلة:
“تقع أطلال كنيسة القصير، التي يمكن الوصول إليها من خلال الطريق العام الذي يربط محافظة كربلاء بقضاء عين التمر، بعد قطع مسافة تقدر بكيلومترين على الطريق الترابي داخل الصحراء، في منطقة جلّ سكانها من المزارعين.”
تفاصيل الكنيسة
عن تفاصيل الكنيسة تقول (فاهم): “تقع الكنيسة داخل مجمع من الأبنية التي يمكن القول إنها تشكل بمجملها ما يمكن أن يكون ديراً كبيراً يضم عدداً من الأبنية داخل منطقة مسورة بجدار غير منتظم الشكل، يبلغ طول الضلع الشرقي منه نحو (148) متراً، وهو يفصل الدير عن النهر الذي يجري بموازاته شرقاً، ويقع المدخل الرئيس للدير في هذا الضلع الشرقي، بين برجين ضمن السور الذي يبدو أن الجزء السفلي منه شيد بصفوف من (الفرشي) بارتفاع (120) سم عن مستوى الأرضية، فيما شيد الجزء المتبقي باللِّبِن بارتفاع يبلغ (180) سم. الضلع الشمالي للسور يبلغ طوله (90) متراً، فيما يبلغ طول الضلع الغربي (141) متراً. وأخيراً فإن الضلع الجنوبي يبلغ (112) متراً، أي أن الأبراج التي يبلغ عديدها (31) برجاً، تمتد على طول أضلع السور وأركانه، وتتوزع بالشكل التالي: (11)برجاً في الضلع الشرقي، (5) في الضلع الشمالي، (11) برجاً في الضلع الغربي، وأخيراً كانت هناك أربعة أبراج في الضلع الجنوبي غير المستقيم. وتبلغ مساحة الدير زهاء (15) ألف متر مربع.”
التنقيب
تضيف منقبة الآثار: “قررت الهيئة العامة للآثار تشكيل بعثة تنقيبية تأخذ على عاتقها القيام بحفريات أثرية في هذا الموقع ذي الأهمية الخاصة، إذ إنه يقع في منطقة تمتاز بهويتها الإسلامية الأصيلة، فوجود مثل هذه الكنيسة ضمن دير مسور كبير الحجم والمساحة وضمن مستوطن ضخم، أمر ينبغي الوقوف عليه والتحقق مما تخفيه الأطلال تحت أكوام الركام التي تعلو البناء، واستثبات جميع أقسام ومرافق الكنيسة.”
وصف الكنيسة
اثناء تجوالنا التقينا منقب الآثار (عبد الهادي كريدي)، الذي وصف لنا الكنيسة قائلاً: “كشفت نتائج التنقيبات أن الكنيسة -بوجه عام- تتألف من ثلاثة أقسام تساير محور طولها، فقد شيد بيت الصلاة (المذبح) في الكنيسة، وهو الجزء الأقدم منها، من قطع حجارة الأبنية المهدمة جزئياً، وكان قد تعرض إلى أعمال تخريب طالت نهاياته الشرقية المحاذية لكوة المحراب. المذبح أو (قدس الأقداس)، عبارة عن حجرة مربعة الشكل، وهو الموضع الوحيد في الكنيسة، حيث تبلغ ارتفاعات الجدران فيه ما يقرب من ثمانية أمتار، تخللت الأجزاء العليا منه فتحات إضاءة وتهوية كبيرة الحجم، وهناك مدخلان يؤديان من وإلى حجرة المذبح، الذي يرتفع عن بيت الصلاة، وجرى الكشف عن الملحقين الشمالي والجنوبي الملاصقين لجدار بيت الصلاة، اللذين يرتبطان ببيت الصلاة بمداخل تمتد على طول جداري بيت الصلاة، ومن خلال الحفريات في الملحق الجنوبي جرى الكشف عن حجرة تحوي على مجموعة من الرفوف الجصية المقامة على طابقين، فوق دكة من الجص تحتوي على بقايا كتابات يبدو أنها سريانية، قد تشير إلى احتمال أن الغرفة كانت عبارة عن مكتبة ضمت بين ظهرانيها الكثير من المؤلفات والتصانيف التي درج رواد وسكان الكنائس والأديرة على تأليفها أو قراءتها، وكان الجص والنورة من المواد الرئيسة التي استخدمت في عمل الأرضيات والملاط، كما جرى استخدام المواد المذكورة كمادة رابطة بالبناء، فضلاً عن استخدم الطابوق الفرشي في عمل السقوف.”
تاريخ الكنيسة
يضيف (كريدي): “أما عن تاريخ تشييد الكنيسة، فتشير المصادر المتيسرة إلى أنها شيدت نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس للميلاد، وبزمن يقدر بـ (120) سنة قبل الإسلام، ويمكن الاستناد إلى واحد من العناصر العمارية المنفذة في بناء الكنيسة التي لم يستمر العمل بها في العصر الإسلامي، وهي العقود البيضوية، التي نلاحظها بوضوح عند مدخل الكنيسة.”
أهمية الموقع
يختتم (كريدي) حديثه بالقول: “نظراً لأهمية هذا الموقع الأثري، الذي يمثل حقبة مهمة من تاريخ العراق، وما تحمله الكنيسة من عناصر عمارية، إذ إنها تعد واحدة من أقدم الكنائس التي شيدت بطراز (البازيليكا) من ناحية التخطيط، ونتيجة تقادم الزمن والظروف الجوية التي تتعرض لها الكنيسة سنوياً، من أمطار وعواصف قوية، فإن من المحتمل أن تتعرض جدرانها إلى السقوط وفقدانها العناصر العمارية لها.” متمنياً الإسراع في إجراء صيانة إنقاذية للحفاظ على الأجزاء المتبقية منها.