كيف نواجه الشائعات الرقمية ؟

10

د. صفد الشمري

الشائعات الرقمية، إحدى أكثر الممارسات الرقمية خطورة في المجتمعات المعاصرة، لما يمكن أن تحدثه من آثار سلبية وتصدعات بين الأفراد والمجموعات، ولاسيما بعد اعتمادها تقانات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات التزييف العميق، التي يمكن أن يعمل بوساطتها الكثير من المحتويات الملفقة والمزيفة، التي قد تحدث ردود أفعال غير ممكن السيطرة عليها.

على وفق الأساليب المنظمة والعشوائية، يجري اليوم إطلاق العشرات من الشائعات عبر الأوعية الرقمية في المجتمعات المحلية، يكون منها ما هو مقصود لأغراض ستراتيجية، تتبناها جهات كبرى ومنظمة، أو بحسب تطلعات فردية لا ينتظر مروجها الإلكتروني منها، إلا الشهرة والرواج والانتشار. إلا أن من يدفع ثمن فاتورة تلك الشائعات بالكامل هو المستهدف منها.
خط الشروع
علينا ان نعي أولاً بواعث مروجي الشائعات الرقمية، بهدف قياس أبعاد وأهداف محتوياتهم المضللة التي تحتوي على الشائعات. فعلى مستوى الأفراد، فإن تلك الشائعات تهدف في الغالب إلى تشويه صورة الآخرين وتأليف القصص عنهم، حول مستوى أخلاقياتهم وسلوكياتهم وعلاقاتهم وتوجيه التهم إليهم والتهجم عليهم. يتجسد هذا مع حالات الصراع السياسي والاجتماعي والمهني في مجالاته كافة، أو الإيقاع بين الناس لإحداث الفرقة وتعميق الخلافات، ولاسيما مع ما يعرف بشائعات النميمة التي تتطلب من مروجيها أن يكونوا على قدر من الاحتيال والخداع.
كذلك الأمر مع مدعى إرضاء الأصدقاء، إذ يلجأ بعضهم إلى بث الشائعات، أو احتضانها والترويج لها، إرضاء لأحد أصدقائه ممن تجمعه معه المصالح. ومع تنوع أشكال النفس البشرية وما فيها من أهواء واتجاهات ورغبات، وبقصد الأصدقاء الواقعيين والافتراضيين والمتابعات الإلكترونية، يعمد البعض إلى نشر الشائعات لتحقيق تلك الأهداف، التي ترتبط برغبات جلب الشهرة.
ترويج الأفكار
على مستوى الجماعات، فإن هناك عدداً من الأهداف التي تكمن وراء نشر الشائعات الإلكترونية، منها ما يراد منه تخفيف العبء عن أفراد الجماعة تجاه واجب معين أو تكليف أو التزام ما، فيتكون عن طريق هذه الشائعات رأي عام ضاغط داخل المجموعة من أجل الوصول إلى هدفها، أو تبرير الإخفاق بإطلاق المجموعة لشائعات تتحدث فيها مثلاً عن وجود عوامل خارجية وداخلية وصعوبات وتعقيدات ومخاوف أكبر منها، ما يجعلها عرضة للفشل.
هناك كذلك شائعات ترويج المنتجات والخدمات بأنواعها المختلفة، تكون محبوكة ومدروسة بشكل جيد، الغرض منها قيام المستخدمين بشراء المنتج أو استخدام الخدمة، مثل إظهار جودته ومميزاته وعناصره الفعالة وطبيعة الخدمة التي يقدمها وما يوفره من جهد ووقت أيضاً. هذه الشائعات ليست حصرا على الجانب الاقتصادي، بل تشمل الجوانب السياسية، مثل سعي الأحزاب لترويج الأفكار، في مقابل شائعات تعطيل رواج منتجات وخدمات الجهات المنافسة. هذا النوع من الشائعات يرمي إلى تعطيل أو إيقاف القدرة التنافسية للمقابل وإبعاده عن ساحة المنافسة، ويجري بهذا الخصوص بث شائعات إلكترونية تستهدف القدرة عن طريق بيان سلبياتها أو عدم قدرتها على أداء ما تقوم به أو تطرحه بكفاءة.
تهدف الشائعات الرقمية، على المستوى الدولي، إلى التأثير في مواقف وسلوكيات الدول وشعوبها وعلى آرائهم ومشاعرهم ومواقفهم وتصرفات المجموعات المؤيدة والمعارضة والمحايدة، دعماً لسياسة أو أهداف معينة قد تكون مؤقتة أو طويلة، ومنها ما ينتشر بشكل أكثر في أوقات الحروب والأزمات والكوارث.
التصدي الرقمي
يمكن التصدي إلى الشائعات الرقمية عبر مناهج رقمية متعددة، والإفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، المعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل المعلومات ورصد الأخبار المزيفة بشكل فوري وأوتوماتيكي وأكثر سرعة من مجموعات رصد المعلومات المزيفة التقليدية، فضلاً عما يعرف بالتعقب الرقمي، الذي يهدف إلى تتبع انتشار الشائعة، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل فوري ومنظم.
من أبرز أمثلتها موقع Emergent، الذي هو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز (تو للصحافة الرقمية) في جامعة كولومبيا، إذ يقوم هذا الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات.
هناك كذلك ما يعرف بمراكز التحكم في الشائعات، مزودة بالتقنيات والتطبيقات التقنية اللازمة لمتابعة الفضاء السيبراني ورصد الشائعات، ولاسيما في فترات الأزمات والطوارئ، وتزويد المواطنين بالمعلومات الصحيحة عن طريق قنوات الإعلام والتواصل المختلفة، مثل: مواقع الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، وخدمات التغذية الفورية، والبريد الإلكتروني، والرسائل الهاتفية، فضلاً عن وسائل الإعلام التقليدية، إلى جانب الإفادة من المبادرات المتخصصة، عبر مشروعات يجري إطلاقها بغرض مكافحة الشائعات في فترة معينة أو نطاق محدد.
ومن مناهج التصدي للشائعات الرقمية اعتماد (المكافحة التشاركية)، التي تقوم على إدماج المستخدم نفسه في مواجهة الشائعات، عن طريق نشر الوعي بين المستخدمين، وحثهم على الإبلاغ عن المحتوى المشكوك فيه، وهو ما اتبعه فيسبوك، إذ أضاف إرشادات للمستخدمين لضبط الأخبار المزيفة على تطبيقه للهواتف المحمولة في عدد من دول العالم، وأتاح للمستخدمين تحديدها والإبلاغ عنها لتنتقل مباشرة إلى جهات مسؤولة عن عمليات التدقيق والتحقق. كذلك من الممكن مواجهة الشائعات الإلكترونية بمنهج نظم إدارة السمعة الرقمية، التي ترتبط بالعلاقات العامة وبيئة الشركات والأعمال، التي يمكن الاستفادة منها بشكل عام في رصد الموضوعات المتداولة، وجمع ردود الفعل بشأنها، وصياغة الردود أو محتوى مضاد ونشرها.