حامد المالكي: أحرص على توثيق زمن الدكتاتورية وجرائمها

81

حوار/ علي السومري
تصوير – علي الغرباوي

كاتب مهموم بتاريخ العراق، بدأ بالشعر والقصة والمسرح، لينتهي به المطاف كواحد من أهم السيناريستات في العراق، وهو ما تجلى في أعماله التي حققت مشاهدات عالية. مسلسلات نالت شهرة كبيرة، مثل (سارة خاتون)، و(كامب سارة)، و(أبو طبر)، و(رسائل من رجل ميت)، و(الحب والسلام)، والأخير كان من الأعمال التي سلطت الضوء على ما تصنعه الحروب في المجتمعات.

إنه السيناريست حامد المالكي، موثّق خراب الدكتاتورية وعبثيتها، الطامح لتجسيد جرائمها عبر التلفاز.
(المالكي) روائي ايضاً، كتب عدداً منها، لكنه بعد خوضه تجربة المشاركة في المسابقات، قرر إعادة هذه التجربة، حتى لو كانت للحصول على نوبل للآداب، منطلقاً من رأي مفاده أن الرواية ليست حصان سباق كي يتم الرهان عليها.
* حدثنا عن بدايتك مع رحلة الكتابة؟
– أظن أن غالب الكتّاب يبدأون بالشعر، ثم يجربون أنواع الكتابة الإبداعية الأخرى، كالخواطر والقصة القصيرة والرواية، حتى يجدوا ضالتهم في نوع معين. أذكر أني بدأت بالشعر متأثراً بديوان محمد الماغوط (الأعمال الكاملة) الصادر عن دار العودة في سبعينيات القرن الماضي، ثم وجدت نفسي أعشق القصة والمسرح. في الابتدائية، كتبت وأخرجت ومثلت مسرحية من مشهد واحد، قدمتها في اجتماع الآباء والمعلمين، ثم انتميت إلى فرقة مسرحية وأنا طفل، كان هذا في المتوسطة، ثم كتبت القصة القصيرة والمسرح، حتى انتهى بي المطاف كسيناريست، وما زلت تلميذا فيه.
* كيف تختار موضوعة نصوصك؟
– غالباً ما تلعب الصدفة في اختيار الموضوع أو القصة الدرامية التي أنوي كتابتها، تأسرني مواضيع تاريخ العراق المعاصر، وتحوله من كونه جزءاً من الإمبراطورية العثمانية إلى الدولة الملكية تحديداً، ولكني كتبت أعمالاً ضد الدكتاتورية والحروب والإرهاب في العراق لا مجال لذكرها، ظهرت في عصر لم يكن للسوشيل ميديا من حضور للأسف، أدور في هذه الدائرة المؤلمة، التي طحنت أعمارنا للأسف، وسأبقى حريصاً على توثيق ما مر بالشعب العراقي عبر الزمن، خاصة فترة الديكتاتورية العسكرية الجاهلة.
كتبتُ (سارة خاتون)، قصة السيدة سارة أوهانيس التي بنت (كامب سارة) للناجين الأرمن من مذابح 1915، وتبعتها بحياة (الرصافي) من عام (1875-1945)، و (السيدة)، قصة العراقيين في السيدة زينب، و(الجواهري)، والملك (فيصل الأول) في ستين حلقة، و(أبو طبر)، و(الدهانة)، و(البقاء على قيد العراق)، و (الحب والسلام)، أول وآخر مسلسل عن الحرب العراقية الإيرانية، و(رسائل من رجل ميت) عن الجبهة الوطنية البعثية الشيوعية في السبعينيات، و(الفندق) عن الخزي الذي داهم أعمارنا، وغيرها من الأعمال.
*ما المحفزات في اختيارها؟
– الفضول، ربما، استغرق البحث في سيرة سارة خاتون سنة كاملة مثلاً، كذلك الرصافي والجواهري، لكن (أبو طبر) استمر البحث فيه سنتين، رغم أني عشت طفلاً مرحلته الدموية. الفضول والرغبة في جعل أبناء الجيل الجديد يفهم التاريخ الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه.
أكثر ما يثير استفزازي محبة هذا الجيل الصغير للدكتاتورية! دكتاتورية صدام! هذا يشبه عودة النازية الجديدة في ألمانيا، وهذه العودة يجب أن تراقب بشدة وتطبق بحقها قوانين قاسية، كما في ألمانيا اليوم، هذا أمر مقيت، أطفال لم يعيشوا ما عشناه من ألم وحروب وحصار، يتشدقون علينا اليوم بالتمجيد بشخص عاش بلا حياة، ومات بلا قبر.
* في أعمالك وثقت، إلى حد ما، البيئة العراقية، وهي ثيمة سحرية لنجاح أي رواية، ألا تفكر بدخول هذا العالم؟
– لدي روايتان قرأهما الأصدقاء المقربون مني وشجعوني على نشرهما، شاركت بواحدة في مسابقة (كتارا)، فئة الروايات غير المنشورة، لكني لم ألتزم بقوانين هذه المسابقة، فخسرت، وصار عندي يقين بأن الروائي يجب أن يترفع عن المشاركة في المسابقات حتى لو كانت للحصول على نوبل للآداب، فهو ليس حصان سباق يجري الرهان عليه. لدي اتفاق مع أكثر من ناشر عراقي على نشر روايتي، لكني أتردد، لا أدري لماذا، أحياناً ينتابني اليأس مما يحصل من تغير كبير في ذهنية المتلقي، الأجيال اليوم تفضل المعلومة السريعة بسبب أفلام الريلز والشورت والتيك توك، كيف تستطيع أن تمسك بهذه الأجيال وتقنعهم بأن يقرأوك عدة أيام؟
*ما أسباب عدم انتشار أعمالنا الدرامية عربياً؟ ماهي نقاط ضعفها؟
– تنتشر الأعمال عربياً بإرادة الجهة المشترية، نحن لدينا الخليج وقنواته فقط، هناك أزمة فكرية وجهل مركب لدى الكثير من منتجي ومسوقي ومشتري الأعمال الدرامية العربية، إنهم يفضّلون الأعمال التي تتحدث عن الحب والعشق الممنوع والخيانات، إلى آخره من هذه المواضيع المستهلكة، يقولون لنا: أعمال العراق أعمال جادة، سياسية او ناقدة وجدلية، لا نريد للمشاهد العربي الوقوع في إغواء الصراع من أجل أفكار درامية، لا يدرون، إنما يضعون ستارة على الوعي الجمعي العربي، والجهل التاريخي والوجودي لها، فيقدم بدل هذه الأفكار مثلاً، قصص من السيرة النبوية وقصص الخلفاء وأجزاء منتقاة من التاريخ العربي بأحداثه المشوّهة والكاذبة، أفضل إضافة إلى ما ذكرنا من مواضيع يطلقون عليها (أعمال رومانسية) بدل القصص والأفكار الجدلية. وهذه هي الأزمة الحقيقية والكبرى، بقية الأسباب حلها سهل جداً، كوجود المال للإنتاج وصناعة النجم التسويقي.
* إن كنت صاحب قرار نافذ، ما الخطوات التي تتخذها لإنعاش الدراما العراقية؟
– ببساطة، دعم القطاع الخاص، وفق (شروط الإبداع الحقيقي)، وإيقاف قرصنة الأعمال التي تطلقها المنصات العالمية، كي تمنح الفرصة للمنتج المستقل العراقي للتنافس عبرها مع بقية الدول العربية ودول الشرق الأوسط، هل تعلم أن هذه المنصات ترفض التعامل مع المنتج العراقي بسبب قرصنة أعماله بما يسمى المنصات الخاصة وخدمة الكيبل العراقية؟
علينا أن ننخرط في معاهدة حقوق المؤلف العالمية، فالعراق ليس عضواً في هذه الاتفاقية، أنت تستطيع اليوم أن تشاهد (مجاناً) آخر أعمال المنصات الشهيرة، وهذا لا يوجد في الدول المتحضرة.
* ما العمل الذي تحلم بكتابته؟
– التفاصيل الحزينة والمريبة لحياة الزعيم عبد الكريم قاسم.
*لو عدت بالزمن، ما الذي ستغيره من قرارات حياتك؟
– امتهان الكتابة في مجتمع أمي.
* ما جديدك؟
– محض (حكايات) يعرفها جيلنا، ولا يعرفها الجيل الذي ولد عام 1996 صعوداـ أقصد جيل Z.