في أربيل.. السجاد اليدوي.. فلكلور يصارع الحداثة
ضحى مجيد
حرفة يدوية وتراث شعبي تعود جذوره التاريخية إلى آلاف السنين، هذا الموروث الشعبي لا يوجد تأريخ مُحدد حول نشأته، إلا أن المصادر تشير إلى أن الأكراد امتهنوا حرفة صنع السجاد اليدوي منذ حقب طويلة، وغالبيتهم من الرُحَّل، فيما تخصصت النساء بها ممن يُجدن الغزل والنسيج.
تشير المصادر إلى أن النساء وقتذاك اشتهرن بغزل السجاد من صوف الحيوانات والمواشي، ولا تزال هذه المهنة تصارع الحداثةَ في محافظات إقليم كردستان، الذي يشتهر بصناعة السجاد اليدوي على الرغم من وجود المعامل المختلفة التي تختص بصناعة السجاد بأشكاله وألوانه.
حرفية ودقة
لمزيد من التفاصيل حول حرفة صناعة السجاد اليدوي وأدواته في إقليم كردستان، حاورت مجلة “الشبكة العراقية” السيد همام حسين عبدالله – يعمل صانعاً حرفياً ومهتماً في صناعة النسيج والغزل- فتحدث قائلاً: “تعود جذور هذه المهنة إلى آلاف السنين، إذ كانت تَعتمدها العائلات مصدراً وحيداً للرزق وكسب لقمة العيش للرُحّل من الأكراد في ذلك الوقت، وكانوا يعتمدون على الخامة الطبيعة (صوف الحيوانات)، التي كانت تحتلّ المرتبة الثانية بالقدم بعد الزراعة، لكن العمل توسع فيما بعد حتى تطور إلى مصانع ومعامل تعنى بصناعة النسيج بألوانٍ وأشكال مختلفة من السجاد، ولاسيما بعدما أَدخل الحرفيون إضافاتٍ معاصرة وآلاتٍ بسيطة عليها، وهذه المعامل كانت منتشرة في عموم الإقليم، ولا يزال قسم منها يعمل إلى الآن، كما أن هنالك أماكن مختصة ببيع وغزلِ السجاد اليدوي في الإقليم، أهمها يقع في قضاء حرير، إحدى نواحي شقلاوة. هذه المعامل يجري فيها صنع السجاد بأنواعه المختلفة، وبأشكال جميلة، كما تنقش عليه لوحات جميلة جداً، ويعود تاريخ بناء مصنع السجاد في منطقة حرير إلى عام 1983، وهو مستمر بالعمل منذ ما يقارب الـ 30 عاماً، ومعظم العاملات فيه من النساء اللواتي يتفننّ بصناعة السجاد ونقش اللوحات المختلفة عليها.”
أضاف عبد الله: “أنا أعمل بهذه الصنعة منذ ما يقارب الـ ٣٠ عاماً، منذ كنت صغيراً، إذ تعلمت تفاصيل الصنعة عن والدي، وأحاول الآن نقلَها إلى أولادي، لأنها عنوان للفلكلور والتراث الكردي، أما بخصوص عدد المعامل الموجودة الآن في الإقليم، فهي 8 معامل فقط، بعد أن كان عددها يصل إلى 20 معملاً أنشأتها الحكومة منذ عام 1970، وكلها كانت تُدار من قبل وزارة العمل والشباب.”
قطع فنية
ويوضح عبدالله أن “ما يُميز السجاد المحلي القديم عن المستورد هو الخامة الطبيعية، وتحديداً (صوف الغنم)، وأن الكثير من السياح يقصدون شراء بعض أنواع السجاد كقطعة فنية تراثية تعبّر عن حضارة شعب كردستان، وأن هنالك متحفاً مختصاً بالنسيج الكردي، أو متحف الغزل، كما يسمّى، جرى إنشاؤه في مطلع عام 2004 وهو مختص بعرض السجاد اليدوي المصنّع محلياً، إذ يصل عمر القطعة الواحدة المعروضة إلى 100 سنة، وبعضها إلى 200 سنة، وكل قطعة منها تروي تاريخ وأسلوب الحياة في أربيل آنذاك، لكنه توقف عن العمل منذ سنوات بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في الإقليم خلال السنوات الأخيرة.”
أشكال وتصاميم
لتسليط الضوء أكثر على أحد المراكز المختصة بصناعة السجاد اليدوي في حرير – التابع إلى وزارة العمل والشباب- التقينا السيدة ياسمين عبدالله الصالح، التي تعمل حرفية في معمل السجاد اليدوي فحدثتنا قائلةً: “العمل في صناعة السجاد اليدوي ليس سهلاً ولا يخلو من صعوبات عديدة، فقبل أن نبدأ بتصميم اللوحة (الطلبية) نسأل الشخص عن شكل اللوحة وقياسها وطريقة تصميمها، وأن ما يميز هذا المركز عن مراكز صناعة السجاد اليدوي هو تنوع الأشكال والتصاميم وكيفية صناعة اللوحات الفنية في المعمل، وجولة واحدة في أروقته ستكشف للسائح العديد من الصور والشخصيات الكردية والعالمية، جميعها مستوحاة من حياة الناس وقد جرى نسجها وغزلها بأيدينا.”
وفي إجابتها عن الأدوات التي تدخل في صناعة السجاد اليدوي ومراحلها قالت الصالح: “يستخدم دبوس خاص لنقش اللوحات الفنية والرسمات على السجاد، وهو من المعدات الرئيسة في العمل، ولربط الخيوط بعضها ببعض، فضلاً عن المطرقة والمشط لتعديل وتمشيط السجاد، والمقص. أما المراحل التي تمر بها اللوحة الفنية فهي عديدة، بدءاً من التصميم مروراً بصناعة وغزل خيوط الصوف، وفي المرحلة الأولى من العمل نقوم بربط الخيوط بطريقة (الزيك زاك) والحبل، ويجري هذا العمل بين عاملتين أو أكثر لتجنب أي خطأ.”
جودة واصالة
هوشيار رعد حيدر – تاجر سجاد – يقول: “سنوياً نستورد بملايين الدولارات أنواعاً مختلفة من السجاد التركي والإيراني والصيني، وهو المستهلك كثيراً في أربيل، ونبيع ما يقارب الـ 500 قطعة تقريباً يومياً، ولاسيما مع اقتراب فصل الشتاء من كل عام، لكن الجودة والأصالة يبقيان في السجاد المحلي لما يحتويه من خامة أصلية، وهي بالطبع أغلى من المستورد بأضعاف، باعتبار السجاد المصنّع يدوياً جزءاً من التراث، وهنالك من يتمتع بالكفاءة في صناعته ونسجه بطريقة حرفية في كردستان، ويوجد مصنع واحد لصناعة السجاد اليدوي في الإقليم، لكنه مهدد بالإغلاق بفعل المنافسة الأجنبية للصناعة المحلية، ويعود تراجع الإقبال على السجاد اليدوي إلى ارتفاع أسعاره من جهة، وطول الوقت المستغرق في إنجازه. هذا من جانب، ومن جانب آخر عدم دعم الحكومة لهذه الصناعة، بما يسهم في إنعاشها، وهذا ما تسبب في عجز الصناعة المحلية عن تلبية متطلبات السوق واحتياجات الناس.