أول مدرسة في مدينة العمارة

19

ميسان / عبد الله الجويبراوي
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وبدأت القوات العثمانية تنسحب من البصرة وبقية المدن العراقية لاندحارها أمام القوات البريطانية، أغلقت المدارس، وانسحب معلموها مع القوات التركية المنسحبة شمالاً فتعطلت الدراسة في تلك المدارس.

ففي قضاء قلعة صالح في مدينة العمارة، عندما عزم أهالي القلعة على جمع التبرعات لبناء أول مدرسة ابتدائية فيها عام 1916م، اختاروا قصة (النعمان بن المنذر مع كسرى)، وقد تطوع عدد من رجال الدين لتمثيل الأدوار التاريخية في تلك القصة، كان في طليعتهم الشيخ حسين الشيخ خلف الخزعلي، والشيخ عمران الباوي. فيما وقع الاختيار على بيت الشيخ فالح الصيهود، شيخ البو محمد في الجانب الأيمن من نهر دجلة في منطقة (الحفيرة)، ليكون مكاناً للعرض المسرحي. وقد وجهت الدعوة إلى أهالي القلعة للحضور هناك. وبعد الانتهاء من العرض المسرحي تبرع الأهالي بالمبلغ المطلوب، فيما تبرع الحاج علي البهار الظالمي بقطعة الأرض في الجانب الأيسر من نهر دجلة، التي بنيت عليها المدرسة، وكانت في بادئ الأمر من القصب والبردي والطين. بعد ذلك باشرت الإدارة البريطانية في تنظيم ولاية البصرة بعد أن أكملت احتلال مدينة العمارة في 3 حزيران 1915.
وقد مرت الإدارة البريطانية بمراحل عدة ، كان أبرزها موت الجنرال (ستانلي مود)، القائد العام للقوات البريطانية، الذي توفي بمرض الكوليرا في بغداد يوم 18/11/1917، حيث اتخذت وفاته مناسبة لجمع تبرعات لعمل (تمثال) يخلد ذكراه في هذه البلاد، ويكون تنفيذ هذا العمل عن طريق مشاركة العراقيين أنفسهم. وفي ضوء ذلك قام الحكام السياسيون في المدن المختلفة، بما في ذلك حاكم العمارة السياسي، بحملات جمع التبرعات لهذا الغرض، أسوة بما جرى في بغداد. وقد تم ذلك وأقيم تمثال كبير لـ (مود) في بغداد، ظل قائماً إحدى وأربعين سنة إلى أن أسقطه العراقيون في صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958م.
والمبالغ المتبقية من التبرعات الكثيرة أوصت بها لجان خاصة في إقامة مشاريع عمرانية، كالمدارس والمستشفيات، فكانت حصة العمارة من المبالغ المتبرع بها من قبل تجار العمارة (60000) ستين ألف روبية لبناء ثلاث مدارس، الأولى في قضاء قلعة صالح، والثانية في قضاء علي الغربي، والثالثة في مركز مدينة العمارة، وأن هذا العمل صار محفزاً لأهالي المجر الكبير في بناء مدرسة من تبرعاتهم الخاصة.
وكان ذلك إيذاناً بافتتاح أول مدرسة (تذكار مود) في قضاء قلعة صالح في حزيران عام 1916، ومدرسة (تذكار مود) في قضاء علي الغربي 1918، ومدرسة (تذكار مود) في مركز العمارة 1919م، في حين سميت المدرسة التي افتتحها الأهالي في المجر الكبير باسم (مدرسة المجر الكبير) لأن مبلغها لم يؤخذ من التبرعات المذكورة.
وعليه فإن مدرسة (قلعة صالح) كانت أول مدرسة افتتحت في العمارة، والسبب يعود -في رأينا- إلى أن المدينة أصبحت هادئة تماماً ولم تحدث فيها أية اضطرابات، كما أن نصف سكان القضاء هم من أبناء طائفة الصابئة المندائيين الذين وجدوا فرصة ذهبية في تعليم أبنائهم، علاوة على أبناء الطائفة اليهودية من المؤيدين لافتتاح تلك المدرسة، كما أن المسلمين لم يجدوا مانعاً في التحاق أبنائهم للتعليم في تلك المدرسة أيضاً، ولاسيما أن المعلمين الذين فتحوا المدرسة هم من المسلمين، وأن التعليم أصبح باللغة العربية (لغة القرآن الكريم).
وكانت مواليد التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثلاث عشرة سنة، أي من مواليد ( 1910، 1913م)، وامتازت علاماتهم الفارقة بوجود آثار للإصابة بمرض الجدري وآثار (لحشرة عراقية) وأغلب الظن أنها حبة بغداد.