تنويع مصادر الغاز .. استقرارٌ للكهرباء وأمنٌ للطاقة

24

زياد الهاشمي

كان ملف الغاز الإيراني وعودة تدفقاته إلى العراق أحد أهم محاور اللقاءات التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، السيد محمد شياع السوداني، خلال زيارته الأخيرة لطهران، التي وصفها وزير الكهرباء العراقي “بالإيجابية”، ما يشير إلى قرب عودة إمدادات الغاز الإيراني إلى محطات توليد الكهرباء العراقية لمستوياتها الطبيعية السابقة.

بالرغم من هذه الجهود الحثيثة فإن تكرار قطع إمدادات الغاز الإيراني نحو العراق موسمياً، يعيد التنبيه بأهمية تنويع العراق لمصادره الغازية وتقليل الاعتماد العالي على مصدر غازي خارجي واحد.
إنتاج الكهرباء
أثمرت جهود السنوات الماضية عن تطوير العراق لطاقاته الغازية الوطنية من خلال استثمار الغاز المحلي بنوعيه، الحر والمصاحب، في رفع طاقات إنتاج الغاز العراقي إلى مستوى 11.5 مليار متر مكعب تغذي المحطات الكهربائية الأربعين داخل العراق، وهو ما يشكل قرابة 59 % من حاجة العراق الكلية من الغاز لأغراض إنتاج الكهرباء، التي تقترب من حاجز 20 مليار متر مكعب سنوياً. وبالرغم من ذلك، فإن الغاز الإيراني لا يزال يشكل قرابة 35 % منها، ما يجعل من توقف الواردات الغازية الإيرانية ذا تأثير سلبي واضح على الإنتاج الكهربائي العراقي. فعلى سبيل المثال تسبب وقف إمدادات الغاز الإيراني خلال الشهر الماضي بخسارة العراق 5500 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، ما حرم بغداد ومحافظات الفرات الأوسط وغيرها من المناطق الجنوبية من حصصها المعتادة من الكهرباء.
عقوبات أميركية
توقف الإمدادات الإيرانية له أسباب عديدة تتعلق بالارتفاع الحاد في الاستهلاك الإيراني المحلي للغاز في قطاعات التدفئة المنزلية والإنتاج، لاسيما خلال مواسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، وهذا يضع بدوره ضغوطات كبيرة ومستمرة على الشركة الوطنية للغاز الإيرانية (NIGC) تجبرها على قطع الغاز عن الجانب العراقي. إضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني قد أدت الى التأثير على جودة الشبكات الغازية، وتسببت كذلك بعرقلة أو منع تسلم إيران لقيم الغاز الإيراني المصدر إلى العراق. هذه العقبات مع الجانب الإيراني دفعت العراق وإيران لتوقيع عقد توريد غازي ثلاثي بين العراق وتركمانستان ومن خلال إيران بطريقة تشبه المقايضة، التي بموجبها تقوم تركمانستان بمد إيران بـ 20 مليون متر مكعب من الغاز يومياً يتم ضخها في منظومة إيران الشمالية، على أن تقوم إيران في المقابل بإمداد العراق بكميات غازية مكافئة من خلال حقل جنوب بارس بعد استقطاع نسبة 30 % من الغاز كرسوم عبور.
طلب متزايد
الاتفاقية الغازية مع تركمانستان، رغم أنها قد تسهم في تسهيل عملية تسديد قيمة إمدادات الغاز الداخلة للعراق، إلا أنها لن تحقق قيمة مضافة كبيرة في ضمان تدفقات الغاز نحو العراق، خصوصاً خلال مواسم ذروة الطلب، فالعراق ضمن هذه الاتفاقية سيبقى معتمداً على إمدادات الغاز القادمة من حقل جنوب بارس عبر الأنبوب IGAT6 الإيراني، الذي كان ولايزال يمد العراق طوال الفترات الماضية بالغاز، بمعنى أن إمدادات الغاز المستقبلية ستبقى تحت تأثير نفس المؤثرات الحالية داخل إيران. وبالتالي فإن مسألة قطع إمدادات الغاز الإيراني قابلة للحدوث في أي وقت. من جانب آخر، وبحسب أرقام وزارة الكهرباء وبيانات خبير الطاقة الدكتور دريد عبد الله، فإن استهلاك العراق حالياً من الغاز يبلغ بحدود 19.5 مليار متر مكعب ويحتاج لإضافة 4 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز على المدى القصير لتلبية الطلب المتزايد محلياً، وحتى لو تمت إضافة كمية إنتاج مشروع غاز حقل أرطاوي، المتوقع بدء الإنتاج فيه خلال النصف الثاني من هذا العام وبواقع 1.4 مليون متر مكعب يومياً، فإن هذه الكمية لن تغطي إلا كمية محدودة من الطلب المحلي المتزايد.
أمن الطاقة
هذا العجز الغازي والاعتماد العالي على مورد خارجي يؤكدان أهمية تبني العراق لنموذج غازي متنوع، يعتمد على مصادر محلية وخارجية عدة، فمن الحلول التي طرحتها بعض الجهات العراقية إنشاء محطة لمعالجة الغاز المسال في ميناء الفاو لتوسيع نطاق إمدادات الغاز نحو العراق، وهذا قد يعد نظرياً واحداً من الحلول، لكن واقعياً فإن إنشاء محطة معالجة الغاز المسال يتطلب 2 – 3 سنوات وكلفة تتجاوز أكثر من 2 مليار دولار، ما يجعله حلاً مكلفاً بمردودات غازية لن تتحقق إلا على المدى الطويل. في المقابل، فإن هناك واحدة من أكبر محطات معالجة الغاز المسال في الشرق الأوسط التي تقع جنوبي العراق في منطقة الزور الكويتية توفر طاقات عالية لتغطية الطلب الإقليمي على الغاز. محطة الزور الغازية تلك يمكن أن يستفيد منها العراق كمحطة ربط غازي من خلال استيراد الغاز المسال من قطر على سبيل المثال، وتغويزه في هذه المحطة وضخه من خلال أنبوب غازي بطول لا يتعدى 250 كيلو متراً يمكن إنجازه بفترة لا تتجاوز 8 شهور ويرتبط مباشرة مع المحطات الكهربائية العراقية.
إضافة مصدر غازي خارجي بهذه المواصفات يمكن أن يحقق قفزة نوعية في استقرار إمدادات الغاز نحو العراق، وتنوعاً في مصادر الغاز، ويرفع من مستوى الاستدامة الغازية والكهربائية ويحقق أعلى درجات أمن الطاقة في العراق.