قرار البنك المركزي بشأن العقارات.. مكافحة لغسل الأموال أم فرصة عمل للمصارف العراقية؟
بغداد – علي كريم إذهيب
أعلن البنك المركزي العراقي، في أيار 2024، عن إجراءات للحد من غسل الأموال في قطاع العقارات، وحدد سقفاً لبيع وشراء العقارات عبر القطاع المصرفي بقيمة 500 مليون دينار، وقال إنه يهدف إلى تسهيل الرقابة على الأموال المتداولة وتحديد ملكية العقارات.
أصدر البنك، مطلع العام الحالي2025، قراراً جديداً يقضي بتخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات، حيث تم تحديد القيمة الجديدة بـ 100 مليون دينار عراقي، بعد أن كانت 500 مليون دينار.
وبموجب التعليمات الجديدة، وفق كتاب رسمي موجه إلى دائرة التسجيل العقاري، في 15 كانون الثاني الجاري، اطلعت عليه مجلة “الشبكة العراقية”، فإن بيع هذه العقارات سيتم عبر المصارف العراقية المجازة فقط، وأن هذا الإجراء يأتي ضمن ضوابط العناية الواجبة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الخاصة بدوائر التسجيل العقاري.
شكّل قرار البنك المركزي العراقي، بعدم السماح ببيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار، إلا عبر المصارف، خطوة مهمة نحو خفض أسعار سوق العقارات وتنظيمها ومكافحة الفساد في ظل تفشي عوامل تسهّل غسل الأموال في القطاع العقاري العراقي.
في هذا الصدد، يقول الباحث في الشأن المالي عمر سعد سلمان إن “القرار يهدف لمحاصرة الأموال غير المشروعة التي تتدفق إلى العقارات منذ عام 2018 وسببت ارتفاعاً جنونياً بأسعار العقارات.”
يضيف سلمان لـمجلة “الشبكة العراقية”: “لقد استغل الكثير من سراق المال العام ومتقاضي العمولات من المناقصات والمقاولات، قطاع العقارات في إدخال هذه الأموال وإعادة ضخها في الاقتصاد، لكي تذوب في الاقتصاد الرسمي وتتخلص من الشبهات.”
يستطرد الباحث في حديثه: “يحتاج البلد إلى تفعيل مكافحة غسل الأموال على سبائك الذهب والسيارات التي يزيد ثمنها على 50 ألف دولار لاستكمال التضييق على الأموال غير المشروعة، بعد النجاح الكبير في إصدار العديد من التعليمات المصرفية بخصوص الحوالات الخارجية والاعتمادات المستندية.”
وبحسب مراقبين، فإنه رغم الفوائد المحتملة لهذا القرار في تقليل الفساد، إلا أنه قد يواجه تحديات في التطبيق الفعلي، ما يتطلب تعزيز القوانين الرقابية وفق تطبيق صارم لقوانين مكافحة غسل الأموال، ووضع حد للمعاملات النقدية الكبيرة، وتطوير أنظمة تسجيل العقارات من خلال إنشاء نظام رقمي مركزي يتيح تتبع عمليات البيع والشراء بسهولة.
يتحدث عن ذلك المختص بمكافحة غسل الأموال صفاء الشمري بالقول إن “مكافحة غسل الأموال بواسطة العقارات لم تتحقق.”
وقال الشمري في حديثه لـمجلة “الشبكة العراقية” إن “المنافذ مرخصة والبنك المركزي تحدث عن عمولات غير مرخصة”، مشيراً إلى أن “حصر بيع وشراء العقارات بالمصارف يقع ضمن المتطلبات الدولية.”
وأضاف أن غسل الأموال لا يتم بـالعقارات البسيطة. وتابع أن قرارات محافظ البنك المركزي غير قانونية.
بوابة عمل لمصارف عاطلة
عن العمل!
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أن تقييد بيع العقارات محاولة لإيجاد عمل لبعض المصارف فقط.
وقال حنتوش في حديث لـمجلة “الشبكة العراقية” إن “الدولار سلم إلى 4 شركات أردنية وخليجية بمباركة البنك المركزي” مضيفاً : “العقارات التجارية الكبرى ستدخل بقرار حصر بيع وشراء العقارات بالمصارف”، معتبراً تقييد بيع العقارات محاولة لإيجاد عمل لبعض المصارف فقط.
أضاف حنتوش أن “منافذ الدفع الإلكتروني لا تمتلك عمليات مصرفية”، مشيراً إلى أن “البنك المركزي وضع سكينةعلى رقبة العراق.”
نظرة أعمق
وتحدث الخبير الاقتصادي الدكتور بلال الخليفة بنظرة أعمق عن قرار البنك المركزي قائلاً إن “قانون البنك المركزي العراقي هو قرار رقم 56 لسنة 2004 الصادر من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة، وموقع من قبل الحاكم المدني الأميركي للعراق آنذاك بول بريمر، وأن النظام الداخلي للبنك المركزي وضح واجبات ومهام البنك المركزي.”
وأضاف في حديث مع مجلة “الشبكة العراقية”: “وفي المادة رقم 4 – (المهام) حيث بينت أن أهم نقطة في عمل البنك المركزي العراقي أنه هو المسؤول عن سعر صرف العملات الأجنبية وإدارة الاحتياطي من العملة الصعبة وكذلك الذهب، لكن لا يوجد ما يشير صراحة إلى تدخل البنك المركزي العراقي في التعاملات اليومية والشراء المحلي، إلا إذا قلنا إن المادة (4/ 2 / أ نصت على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وقلنا إن الإعمام وضع للحد من ذلك، وفي الأمر ملاحظات عدة ، منها: –
* إن الإعمام يمكن أن يضع حداً للفساد وتضخم أموال المسؤولين، هذا الأمر مفروغ منه لأنهم أصبحوا يعون خطورة تسجيل العقارات بأسمائهم أو أسماء أبنائهم، وبالإمكان الحد من ذلك عن طريق مخاطبة دائرة التسجيل العقاري ومعرفة ما يمتلكه كل مسؤول، ووضع إشارة الحجز عليها إن شكت في مصدر الأموال، لا أن تضع تقييداً وعبئاً على المواطن البسيط.
* مصادرة أموال الفقراء، مثلما قلنا في أعلاه فإن رسوم إضافية ستؤخذ، لكن الأمر لا يقف إلى هنا فقط، بل يتعداه إلى أن سحب الأموال من البنوك أمر صعب جداً ويجب تقديم المبررات الكافية والمقنعة للبنك لسحب المواطن لأمواله التي جناها بشق الأنفس، لكن إن لم يقتنع موظف البنك، ولربما أن مزاجه غير جيد، أو أنه يعاني من عقدة ما، فإن المصرف قد يصادر أموال الفقير بحجة أن مصدر الأموال مشبوه ! وأن العملية قد تكون غسل أموال أو شيئاً من هذا القبيل.
* إن بيوت الفقراء عادة ما تكون كلفتها بسيطة، لكن الكل يعلم ان الأموال هي لدى رجال الأعمال أو التجار أو من حصل عليها بدون وجه حق، حتى أصبحت شقق ومناطق مقفلة لهم وأسعارها تقترب من المليار دينار.
* ان هذا القرار يصب في مصلحة المصارف الأهلية، لان الإيداع تتبعه رسوم مصرفية، وبالتالي زيادة الإيرادات لأصحاب المصارف. والنتيجة وجود الضرر بحق الفقراء.
* العالم يتجه نحو التعامل الإلكتروني وهجر التعامل الورقي وتقليل البيروقراطية، لأن العالم الآن هو عالم السرعة والإلكترونيات، وسمعنا كثيرا جدا من المسؤولين عن أتمتة الدولة وحوكمة السلطة ، يبدو ان هذه الخطوة هي زيادة للبيروقراطية الإدارية وصعوبة على كاهل المواطن.
* كان المفروض ان يكون التوجيه من مجلس الوزراء، لا ان يكون بإعمام من البنك المركزي .
* يحتاج الأمر الى وضع تعليمات وتوضيحات خاصة بالموضوع، لان الأمر الآن مبهم، فكيف يكون الدفع؟ وهل تتضمن معاملات التسجيل العقاري أرقام الصكوك بين البائع والمشتري؟
* إن البنوك في العراق هي بين مصارف حكومية تكون مراجعتها مرهقة جداً . بالإمكان سؤال أحد الإخوة الذي سحب قرض إسكان وكيف يعاني شهرياً لكي يستطيع دفع القسط، لاحظ، دفع لا سحب، لأن السحب قد يحتاج إلى معجزة أو واسطة كي يتم. والمصارف الأهلية غير جديرة بالثقة ومن الممكن أن تعلن إفلاسها في أية لحظة، او تمتنع عن الدفع، أو تتعرض لعقوبات أميركية.
* هذه النقطة مهمة جداً،إذ إن هذا الإجراء يدفع المواطن إلى الشراء من قبل المجمعات السكنية التي أخذت إجازة الاستثمار، ولا تزال لا تمنح الوحدة السكنية وثيقة التمليك، بل الاكتفاء بكتاب عقد بين المستثمر وصاحب الوحدة السكنية.
* قبل أيام وجهت الدولة مديريات البلديات بتمليك المتجاوزين على القطع المفروزة، وفي نفس الوقت تضع العراقيل على شراء الدور الرسمية، كيف ذلك؟
تخوف نيابي
في المقابل، ترى عضو البرلمان العراقي زينب جمعة الموسوي، أن “القوانين التي تصدر من البنك المركزي ومن بقية الوزارات والدوائر التنفيذية يلاحظ عليها التخبط، لأنها لا تلائم بيئة الاستثمار وحركته، وقد تتسبب بتراجع السوق الاستثمارية في العراق. كما أن كل بيت يباع يدخل في دائرة التسجيل العقاري وعليه ضريبة بيع وشراء، وأن إصدار البنك المركزي مثل هكذا قوانين ليس له أي غطاء رسمي.”
وقالت الموسوي في تصريح لـمجلة “الشبكة العراقية” إن “البيع عن طريق المصارف يكون متى ما كان القطاع المصرفي بمستوى الحركة الاقتصادية في البلاد، لكن القطاع المصرفي العراقي اليوم متهالك ومتأخر، ويفرض قوانين لتأخير عجلة الاستثمار”، مستدركة “أما إذا كان إصدار القرار بداعي مكافحة غسل الأموال، فهو على الأقل داخل البلاد، وهذا أفضل من ذهاب الأموال إلى الخارج، أما مسألة ارتفاع أسعار الوحدات السكنية فهذا يعود لمقياس العرض والطلب، وبالتالي فإن القرار ليس حلاً لها.”
وختمت البرلمانية حديثها، بأن “قرار البنك المركزي العراقي غير صائب وليس في محله، وفي الوقت نفسه لا يوجد قطاع مصرفي يستطيع التعامل مع هذا المجال، لذلك يعد القرار ضربة للقطاع السكني في العراق.”