في الموصل البانوراما الآشورية.. صرحٌ يعكس وجه المدينة الحضاري
الموصل / خالد إبراهيم
لنشر البسمة على وجوه المواطنين، ونفض الكآبة وإشاعة عوامل البهجة والفرح، قامت محافظة الموصل والبلدية ونقابة الفنانين، بالتنسيق فيما بينها، لتحويل الكتل الكونكريتية في قلب الجانب الأيسر من الموصل، إلى عمل فني جميل يتناسب مع أهمية الموقع الذي تزوره أعداد كبيرة من الطلبة والمارة والسيّاح.
مدينة الحضارة
النحات خالد العبادي، ماجستير فنون تشكيلية قسم النحت، يحدثنا عن مشاركته بالعمل في هذا النصب البانورامي قائلاً:
عكسنا من خلال هذا العمل الفني تاريخ نينوى الآشوري، إذ استطعنا تجسيد أغلب الحقب التاريخية فيه. العمل يحاكي صيد الأسود الذي عرف به الآشوريون، والحملات العسكرية والأمور المجتمعية والدينية. قام بتصميم العمل الفنان فارس الراوي، بالمشاركة مع نحاتين آخرين، واستغرق العمل عشرة أشهر، وساعات العمل كانت مرهقة، لكننا عملنا على مدار اليوم بجهود جبارة.
أضاف العبادي: واحد من أهدافنا هو أن نعكس صورة إيجابية عن مدينة الموصل، بعد أن حاولت عصابات داعش الإرهابية أن توصمها بعار أفكارها وتخلفها، وما جلبوه من دمار وإرهاب وتخلف، حاولنا من خلال تخصصنا أن نعكس الصورة الحقيقية للمدينة، كونها مدينة التاريخ والحضارة والفن والتعايش، وسعينا لإعادة بعض الأعمال التي دمرها داعش، مثل تمثالي السواس وأبي تمام، وأضفنا أعمالاً جديدة.
رموز حضارية
من جانبه، قال مصطفى يحيى فرج، منقب آثار، عن هذا النصب: تمثل الجدارية إضافة فنية جميلة لمدينة الموصل، وتعكس البعد الحضاري والعمق التاريخي لهذه المدينة العريقة، كما أنها تعكس أيضاً رموز الفن الآشوري، التي تم اكتشافها قبل عشرات السنين من خلال عمليات التنقيب، وتحاكي في الوقت نفسه حضارة هذه المنطقة وجماليتها، وتسهم في زيادة جمالية المدينة، فضلاً عن تنشيط السياحة. إنها مبادرة جميلة فعلاً ورسالة لعودة الجمال والحياة، وتحد كبير لإعادة بناء المدينة، وترميم وبناء الإرث الحضاري.
يضيف فرج: الترميم والبناء يشملان جميع الرموز، سواء كانت كنائس أو جوامع أو بيوتات قديمة أو مواقع أثرية خارج الموصل، مثل مدينة الحضر التاريخية وموقع نمرود الأثري، الذي يعد من أهم المواقع الآثارية على مستوى الشرق الأوسط، فضلاً عن تنقيب وبناء وترميم سور نينوى الأثري. وهي جهود تحسب لمفتشية آثار وتراث نينوى، والمحافظة، ودوائر البلديات، وأيضاً للمنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث. كل هذه الجهود الكبيرة ستؤدي بالمحصلة إلى رفع الوعي الحضاري والثقافي للمجتمع المحلي في الموصل، وتسهم في تنشيط قطاع السياحة في المحافظة، سواء للسياح المحليين أو الأجانب، لاسيما أنه أصبح هناك في الآونة الأخيرة اهتمام كبير من قبل السياح لمتابعة وزيارة المواقع الأثرية والتاريخية، ومشاهدة عمليات الإعمار التي تجري، والتعرف على إصرار أهالي المدينة والمحافظة لإعادة بنائها وإعادة الحياة اليها بأبهى صورة.
وأردف قائلاً: البانوراما الآشورية تمثل رموز الحضارة الآشورية في العصر الآشوري الحديث، الذي يبدأ من 911 – 612 قبل الميلاد هذه الرموز الآشورية ظهرت لنا في الجداريات الآشورية المكتشفة، وهي الثيران المجنحة والملك آشور بانيبال والملك سرجون الثاني، إضافة إلى أن البانوراما تضم مشهداً للجيش الآشوري، ومشاهد من بوابات المدن الآشورية.
لمسة سياحية
الناشط السياحي والمهتم بالتراث أيوب ذنون من مدينة الموصل، هو الآخر يدلي بدلوه قائلاً: البانوراما تمثل عودة الحياة وتنشيط السياحة بعد أن استتب الأمن في المدينة، ما يميز عودة الحياة هو إضافة هذه اللمسة السياحية للمدينة من خلال عمليات الإعمار والبناء، فضلاً عن الكثير من الأنشطة الأخرى، من بينها البانوراما الآشورية، التي تم تنفيذها بالقرب من جامعة الموصل، التي تعد بحق لمسة فنية وإبداعية تعكس القيمة الحضارية للمدينة، والتجذر التاريخي للمحافظة. مضيفاً أن هذا العمل الجميل يمكن عده موقعاً سياحياً سيجذب العديد من السياح إلى المدينة، لأنه عمل يعكس التاريخ العريق الذي يمتد لآلاف السنين. مختتما حديثه بالقول: نطمح أن تزداد مثل هذه المشاريع من قبل الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، فمدينة الموصل، والمحافظة بشكل عام، تستحق أن تكون مدينة سياحية تاريخية مرموقة.