سامية الرحماني: المسرح يشبه الركض في ماراثون طويل

29

حوار/ محسن إبراهيم

ولدت في لندن لأبوين عراقيين، عشقت التمثيل منذ بواكير سنينها الأولى، تدربت في أكاديمية (فانكوفر) للفنون المسرحية، شاركت في العديد من الأعمال العالمية، لتتجه بوصلتها إلى موطنها الأول. كان فيلم (البصير) ومسلسل (بغداد الجديدة) رحلتها الأولى عراقياً. لتتوالى بعدها الأعمال وتبدأ مشوار التحدي الحقيقي بين الفن واكتشاف الذات والتصالح مع الجذور، إنها الفنانة سامية الرحماني، التي كانت ضيف مجلة “الشبكة العراقية” عبر هذا الحوار:

* قبل كل شيء حدثيني عن البدايات؟
– منذ طفولتي، كانت الفنون جزءًا أساسيًا من عالمي. بين خشبة المسرح، حيث عشت أدوار الشخصيات، ورقص الباليه، والغناء في الجوقة، وعزف البيانو والفلوت والكلارنيت، كانت هذه التجارب نافذتي إلى عالم مليء بالإبداع. لم تكن مجرد هوايات، بل شغف عميق يلامس روحي، ونداء لا يمكنني تجاهله. ومع مرور الوقت، أدركت أن هذا الطريق هو ما أريد أن أكرس له حياتي، فاتخذت قراري بخوضه بكل جدية واحترافية.
* هل للبيئة تأثير ما على الفنان؟
– بالتأكيد، البيئة لها تأثير عميق على الفنان، لأن الإنسان بطبيعته كائن متأثر بما حوله. البيئة ليست فقط المكان أو الأشخاص الذين نعيش معهم، بل هي أيضًا الأفكار، والمشاعر، والتجارب التي نتعرض لها يوميًا. كل لحظة نعيشها وكل شيء نراه أو نسمعه يترك بصمة على روحنا، وهذه البصمة تظهر في أعمالنا الفنية بشكل أو بآخر. الفن هو انعكاس لما في داخلنا، وما في داخلنا هو نتاج لما حولنا. لذلك، كلما كانت بيئتنا غنية بالتجارب والقصص، كلما كان لدينا مجال أوسع للإبداع والتعبير بطرق جديدة ومؤثرة.
* أعمال كثيرة وعلى منصات عالمية مهمة، كيف اتجهت بوصلتك إلى الدراما العراقية؟
– اتجاه بوصلتي نحو الدراما العراقية كان رحلة غير متوقعة، نشأت بين الأردن وكندا، محاطة بثقافات متنوعة وتجارب بعيدة عن جذوري العراقية، ولم أتخيل أن أعود يومًا إلى العراق، خاصة للعمل. لكن عندما قرأت سيناريو فيلم (البصير)، شعرت بشيء يتغير داخلي. زرت الأهوار، وقررت السفر، ليس فقط لأداء الدور، بل لرؤية هذه الأماكن بعيني وتحويل العراق من فكرة أو ذكريات متباعدة إلى واقع حي ونابض. بعدها، تلقيت عرضًا لدور (ريما) في مسلسل (بغداد الجديدة)، وقضيت خمسة أشهر في العراق أعمل على المشروعين.
* هل كانت (ريما) شخصيتك في (بغداد الجديدة) تشبهك كثيراً؟
– ربما، نعم، شخصية (ريما) في (بغداد الجديدة) تحمل بعض أوجه التشابه معي، لكن التشابه ليس مطلقًا. أستطيع أن أفهم لماذا أراد فريق العمل اختياري لهذا الدور، ولماذا يرى البعض أنها قريبة مني. (ريما) تعيش في الخارج، تمامًا كما فعلت أنا، وتعود إلى بغداد بروح المغامرة، بحثًا عن شيء أكبر من مجرد تجربة عابرة. إنها تسعى لتشكيل روابط جديدة وخلق ذكريات في أرض كانت يومًا ما موطنًا لعائلتها، وهي بذلك تعكس جزءًا من رحلتي الشخصية.
* هل التمثيل تجسيد لما هو موجود في الواقع؟
– يمكن القول إن التمثيل هو انعكاس مزدوج، يلتقط ما موجود في الواقع، لكنه يعيد صياغته بطريقة تعكس أعماق الروح الإنسانية. فن التمثيل يكمن في سد الفجوة بين خيال الكاتب والعالم الذي ابتكره والعالم الذي يعرفه الجمهور ويعيش فيه. إنها عملية بناء جسور بين ما هو موجود في العقل والخيال وما يمكن أن يكون ملموسًا ومرئيًا على الشاشة أو المسرح.
* بدايتك كانت في المسرح، أين أنت منه الآن؟
– لم أكن أمارس المسرح كمهنة، بل كشيء يشبه اللعب الجاد. المسرح كان دائمًا يشبه الركض في ماراثون طويل، تحتاج فيه لقلب قوي وروح مستعدة للاندماج مع الآخرين. أحببت فيه الإحساس بالانتماء، لكنني وجدت نفسي مغرمة بالكاميرا أكثر. هناك شيء ساحر في انتظار تلك اللحظة عندما تدور الكاميرا، وكأن كل شيء يتوقف وينصهر في لحظة واحدة لا تتكرر. الكاميرا بالنسبة لي هي نافذة تطل على عالم مليء بالإبداع، حيث يمكن للتحضير أن يتحول إلى سحر حقيقي عندما يدخل الضوء في العدسة. ربما المسرح هو طفولتي، لكن الكاميرا هي مكاني المفضل الآن.
* وسط مكتظ بالفنانات كيف واجهت هذا التحدي؟
– لا أرى المنافسة كعائق أو تهديد، بل أعتبرها جزءًا طبيعيًا وجميلًا من رحلتي كممثلة. أؤمن أن كل دور يجد طريقه للشخص المناسب له، وهناك شعور داخلي باليقين عندما يكون الدور ملائمًا تمامًا لي. مررت بتجارب أثبتت لي أن ما هو لي سيأتي، وما ليس لي لم يكن لي منذ البداية، وهذا يمنحني سلامًا وثقة. أعتقد أن وجود المزيد من الممثلات في الوسط ليس فقط طبيعيًا، بل ضرورة فنية وثقافية. نحن بحاجة إلى التنوع على الشاشة، فهذا يعكس الواقع ويوفر للجمهور فرصة للتواصل مع شخصيات ملهمة وقريبة منهم.
* شخصيتا (مينا) في (خان الذهب)، و(ريما) في (بغداد الجديدة)، ألا تخشين أن تنحسري في هذا النوع من الأدوار؟
-لا أعتقد أن الخوف من التصنيف هو أمر يقلقني كثيرًا بقدر ما أفكر في القيمة التي أستطيع أن أضيفها لكل شخصية أؤديها. التمثيل هو فن البحث عن الحقيقة في أدوار مختلفة، ولكل شخصية أبعادها الخاصة التي تميزها. اختيار الممثل المناسب لأي دور يعتمد على التقاء فريد بين جوهر الممثل وروح الشخصية. التحدي الحقيقي بالنسبة لي ليس في الشخصيات نفسها، بل في تجنب تكرار نوع المشاريع ذاتها.
* فيلم (البصير) وعالم الأهوار، حدثيني عن تلك التجربة؟
– كانت تجربة ساحرة تأخذك إلى عالم يمزج بين جمال الطبيعة وعراقة التاريخ. في الأهوار، تشعر وكأنك عدت آلاف السنين إلى زمن البساطة والهدوء والارتباط بالطبيعة. كل صباح هناك يبدأ بمشهد يخطف الأنفاس، حيث ينساب شروق الشمس بنور ذهبي على المياه الهادئة، وكأن الكون يحتفل بيوم جديد. أما الغروب، فهو لوحة من الألوان البرتقالية والأرجوانية، تختم اليوم بسكينة تملأ الروح.
أنتظر بفارغ الصبر أن يشاهد الجمهور هذا العمل ليعيشوا تلك اللحظات السحرية التي تجمع بين جمال المكان وروعة القصص.