في قراءة كتاب الفنون السومرية يعيــــــد التذكيــــــــر بــــــالإرث العراقي القديم

39

خضير الزيدي
يسرد الأستاذ الدكتور زهير صاحب في كتابه (الفنون السومرية) الكثير من الحقائق عن التاريخ الفني والجمالي لأعمال نحتية ورسومات على جدران المعابد، يرجع تاريخها إلى العصور المندثرة الأولى، التي أسفرت عن منجزات إبداعية لم تزل خالدة إلى يومنا هذا.

(صاحب )بّين في كتابه، ذي الحجم الكبير، الصادر عن جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، المحتوي على أكثر من مئتين وثمانين صفحة من القطع الوسط، قيمة تلك المنحوتات. مزوداً إياه بلوحات فنية داخل متنه، إضافة إلى خرائط تشير إلى الأماكن والتلول التي اكتشفت فيها أعمال ذلك الفن.
محتوى فكري
احتوى كتاب زهير صاحب، أستاذ مادة الفنون القديمة، على خمسة فصول، عالج في الفصل الأول من هذا الكتاب ست ركائز أساسية، منها (المشهد السومري / الكتابة السومرية / وسيط البيئة الطبيعية / مقدمة أسردت الأدب السومري، والمحور الأخير عالج الدور الإبداعي للفنان السومري). أما الفصل الثاني فاعتمد في قراءته على التماثيل القديمة من حيث المحتوى الفكري وسمات الأشكال الفنية في التماثيل الخاصة بذلك العصر المتنور، وكذلك نوه لنا المؤلف بمقتربات الفن الحديث في تلك التماثيل.
رموز وإشارات
لقد كان للفن العراقي القديم تأثير واضح المعالم على الكثير من المدارس الفنية الحديثة، انطلاقاً من الرؤية الجمالية التي تبناها إنسان العراق القديم، ومن المعالجات الفكرية والفنية، وما ألمت به تلك الأعمال من إمدادات وتأثيرات بيئة جسدت الفهم الأصيل للبعد الاجتماعي والفني معاً، من خلال الرموز التي تحملها تلك الأعمال، ومن الأساس المهم لتاريخ الحضارة العراقية الأصيلة باكتشاف الحرف والكتابة وإعطاء الفن والعلم معاً أهمية كبيرة. وهذا ما عرفناه من خلال المكتشفات الأثرية التي بينت سمة تلك الأعمال جمالياً وفكرياً.
فكر سومري
لقد عزز زهير صاحب المكتبة العراقية بكتاب قيّم من شأنه أن يضفي مزيداً من المعلومات عن التاريخ السومري، وعن فنون ذلك العصر الذي برز فيه الإبداع كحالة لا مثيل لها. وإذا كان المؤلف قد شمل بكتابه هذا كل ما من شأنه أن يوضح الفكر السومري، فإنه قد حسم الجدل عن ظاهرية الرموز والإشارات والظواهر الفنية في النحت السومري، من خلال الوقائع التاريخية أولاً، ومن خلال مظاهر الأفعال المصورة التي تعالج نظام العلاقات الاجتماعية. وبهذا يكون الكتاب غير مقتصر على الفن، بل هو في أساسه بحث فني وجمالي وفكري يؤسس لمنهجية تاريخية تعيد القراءة البصرية لمشاهد تاريخية، معتمداً على التأويل، وعلى دلالات تلك الشفرات الحية التي تحتويها أكثر الأعمال الفنية القديمة.
فهم روحي
في الفصل الخاص بالفخاريات، يرى صاحب كتاب (الفنون السومرية) أن فحص الأعمال الفخارية يبدأ من تقصي النسيج الفكري، الذي يكمن هو الآخر في بنيتها، معتبراً أن الآنية والمنحوتات إنما تتكون من دوال شكلية، ومن مغزى دلالي يرجحه الكاتب إلى الفهم الروحي والاجتماعي، مع أنها في حقيقة الأمر تعد بمثابة تكثيف للأفكار بخطاب التشكيل، مثلما يؤكده زهير صاحب في أكثر من رؤية فكرية له سابقاً حيال التنظير الفكري والجمالي لأغلب التكوينات القديمة.
تكوينات حديثة
لم يكتف هذا المؤلف الممتلئ بالفكر بهذا القدر من التذكير بمنجزات الفن السومري، بل يذهب إلى طبيعة الأصباغ وطرق التلوين، وما شاع من تلك الألوان ومميزاتها، كالأسود واللونين البني الغامق والأرجواني، ومزاوجة أكثر من لون، ما يدل على التميز والذائقة لدى العراقيين القدامى. وعلى هذا المنوال، يقدم المؤلف مشاهدَ بصرية تعزز الكتاب، إضافة إلى اهتمامه المتزايد بتلك المظاهر وتلك الأعمال التي تميزت بخصوصيتها التصويرية والجمالية. ومن خلال هذا المنطلق نكتشف أن السياق الفني والجمالي لمتن هذه الأعمال قد أعطاه المؤلف زخماً مهماً من الأهمية، معتبراً أن تلك الحقبة من تاريخ العراق قد شهدت تنوعاً معرفياً وفنياً مؤثراً في الكثير من الأعمال العراقية المعاصرة، وإذ يلفت صاحب الكتاب عنايتنا إلى التذكير بما تم من إنجاز في تلك الفترة العريقة من منجزات الإنسان العراقي، فإنما هو في هذا التوضيح يؤكد على أسس هوية الأعمال الفنية القديمة وأهميتها الجمالية والحضارية، فلقد بينت الرؤى الفنية والتعبيرية لما نبصره من أعمال في هذا الزمن مدى تأثير المنحوتات السومرية على خطاب التكوينات الحديثة التي تمتلئ بها صالات العرض الفنية في بغداد وبعض الدول العربية.