سينماتك العراق.. الأفلام تنهض من جديد

72

ريا عاصي
في خطوة غير مسبوقة، شهدت بغداد مؤخراً إطلاق مشروع (سينماتك العراق)، الذي يهدف إلى إحياء الثقافة السينمائية في البلاد بعد عقود من التراجع. المشروع الذي حمل شعار (الأفلام تنهض من جديد)، شكل بارقة أمل لصنّاع الأفلام والجمهور العراقي على حد سواء، إذ يسعى إلى إعادة ترميم ذاكرة السينما العراقية، وحفظ أرشيفها، وتوفير فضاء حديث للعروض السينمائية.

وسط التحديات الاقتصادية والثقافية التي تواجه المشهد السينمائي، يبقى السؤال: هل يستطيع (سينماتك العراق) إعادة السينما إلى قلب الحياة الثقافية العراقية؟
من فكرة إلى واقع
تقف خلف المشروع مجموعة من السينمائيين والمؤرخين وعشاق الفن السابع، الذين يرون ضرورة تأسيس مركز يحفظ أرشيف السينما العراقية، ويوفر منصة للباحثين والمهتمين، إلى جانب كونه داراً لحفظ الذاكرة والهوية العراقية.
في الأول من شباط 2025، استضاف المعهد الفرنسي في العراق حفل إطلاق المشروع، الذي جرى بإشراف (لجنة الذاكرة البصرية للعراق)، التي يترأسها الدكتور حسن السوداني، وبدعم من رئاسة الوزراء، وبالتعاون مع السفارة الفرنسية في العراق. يجري تنفيذ المشروع من قبل وكالة (إكسبيرتيز فرانس)، المتخصصة في التعاون الفني الدولي، ويهدف إلى حفظ وترميم ورقمنة الأرشيف السينمائي العراقي، مع تدريب المهنيين العراقيين على إدارة وحفظ هذا الأرشيف لضمان تعزيز الذاكرة البصرية للبلاد.
أثناء الحفل، بشر الدكتور حسن السوداني الحاضرين بأن فيلم (سعيد أفندي) وصل إلى باريس وفي النية عرضه بصورته النقية في مهرجان كان لهذا العام.
المخرج السينمائي (وارث كويش)، أحد المشرفين على المشروع يقول:
“السينما العراقية تمتلك تاريخاً عريقاً، لكنها تعرضت للتهميش والتآكل بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية. (سينماتك العراق) ليس مجرد دار لأرشفة الأفلام، بل هو مركز توثيق وبحث ومختبر لصنّاع الأفلام الشباب.”
أما حيدر إبراهيم، وهو مدير إنتاج سينمائي، وأحد العاملين في المشروع، فيشير إلى أن المشروع لا يقتصر على تحويل الأفلام إلى الرقمنة الإلكترونية، بل يتضمن ورشاً تدريبية وندوات حوارية:
مضيفاً “نريد إعادة الوعي السينمائي للمجتمع العراقي، وتعريف الأجيال الجديدة بأعمال روّاد السينما العراقية، مثل محمد شكري جميل وقاسم حول.”
بين الطموح والتحديات
برغم من الحماس الذي رافق إطلاق المشروع، يواجه (سينماتك العراق) تحديات عدة، أبرزها التمويل وغياب البنية التحتية المناسبة لدور العرض السينمائية.
الدكتورة إرادة الجبوري، كاتبة سينمائية وباحثة، ترى أن المشروع بحاجة إلى دعم حكومي أو استثمارات من القطاع الخاص لضمان استمراريته:
“إعادة إحياء السينما العراقية لا تتطلب فقط مبادرات ثقافية، بل تحتاج إلى دعم مالي كبير، فصناعة السينما مكلفة، وتتطلب بيئة مشجعة للإنتاج والتوزيع والعرض.”
أما من جانب الجمهور، فهناك تحدٍ آخر يتمثل في استعادة ثقافة الذهاب إلى السينما، إذ تراجع الإقبال الجماهيري على دور العرض بسبب انتشار المنصات الرقمية، وغياب دور السينما العراقية التي لا تقتصر فقط على المولات.
السينما بين الماضي والمستقبل
برغم التحديات، فإن مشروع (سينماتك العراق) يعيد إلى الأذهان العصر الذهبي للسينما العراقية، حين كانت بغداد تحتضن دور عرض راقية، مثل سينما النصر وسينما بابل، وكان لهذه الدور جمهورها العراقي الكبير.
تقول المخرجة زمن علي:
“السينما ليست ترفاً، بل هي انعكاس لهوية الشعوب. إذا أردنا بناء عراق جديد، فعلينا أن نعيد للسينما مكانتها، فهي ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة للتوثيق والتغيير.”
ختاماً: نتساءل هل تنجح التجربة؟
(سينماتك العراق) ليس مجرد مشروع ثقافي، بل هو تحدٍّ لإثبات أن السينما العراقية قادرة على النهوض من جديد. نجاحه مرهون بمدى الدعم الذي سيتلقاه، سواء من الحكومة أو من الجمهور أو من القطاع الخاص. لكن الأكيد أن المبادرة تمثل خطوة جريئة في مسار إعادة العراق إلى خريطة السينما العربية والعالمية.
ويبقى السؤال: هل يعيد (سينماتك العراق) السينما إلى جمهورها، أم أن العراق سيظل يتذكر ماضيه السينمائي دون أن يعيش مستقبله؟