
المكتبــــات العامــــــة بيــــــن الأمـــــــس واليــــوم
ضحى مجيد سعيد /
لطالما كانت المكتبات العامة منارات للعلم والمعرفة، ورافدًا مهمًا للطلاب والباحثين والمثقفين على حد سواء. فقد شكلت هذه المكتبات، سواء التابعة للدولة أو الموجودة في المساجد والجامعات، مصدرًا أساسيًا للوعي الثقافي والمعرفي. إلا أن واقعها اليوم يثير التساؤل والقلق، حيث بات الإقبال عليها يتراجع بشكل ملحوظ، ما يدفعنا للتساؤل: لماذا لم تعد المكتبات العامة تحظى بذات الأهمية التي كانت عليها في السابق؟
في هذا المجهود الاستقصائي، نستطلع آراء عدد من المهتمين حول أسباب هذا التراجع، محاولين تسليط الضوء على العوامل التي أدت إلى ذلك، على الرغم من أهمية المكتبات في إثراء العقول ونشر المعرفة.
إدارة عشوائية
محسن علي أبو ياسر، خريج قسم المكتبات يقول: “أنا خريج قسم المكتبات منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وكان هذا القسم من الأقسام المهمة في كلية الآداب بجامعة بغداد، قد يستغرب البعض أهمية هذا التخصص، لكن الحقيقة أن تنظيم المكتبات يعتمد على أنظمة عالمية دقيقة، خاصة عندما تضم ملايين الكتب والمصادر، لا يمكن إدارة المكتبات بشكل عشوائي، بل يجب أن يكون هناك مختصون قادرون على تصنيف وترتيب الكتب وفق أسس علمية تسهل عملية البحث والوصول إلى المعلومات.”
تغريد محمد حسين، باحثة مهتمة بالمجال ترى أن “السبب الرئيس لتراجع الإقبال على المكتبات العامة يعود إلى عدم الاهتمام بها من قبل الجهات المسؤولة، فالمكتبات ظلت على حالها، دون تحديث لمقتنياتها أو مواكبة التطورات الحديثة في مجالات المعرفة، إذا لم تجد المكتبة ما يجذب القارئ أو الباحث، فمن الطبيعي أن ينصرف عنها.”
التطور التكنولوجي
أما زينة عبد الرزاق، محامية فتقول:
“في رأيي، السبب الرئيس لتراجع الإقبال على المكتبات العامة هو التطور التكنولوجي ومحركات البحث في وسائل التواصل الاجتماعي، الآن، يمكن لأي شخص الوصول إلى أي معلومة أو كتاب يحتاجه وهو جالس في منزله، لم يعد الناس مضطرين للذهاب إلى المكتبات، فكل شيء متاح عبر الإنترنت بسهولة.”
في حين قال ليث كريم علي، مدرس متقاعد:
كنا سابقًا نطلب من الطلاب إعداد تقارير بحثية، على الأقل تقريرين في السنة، في مواضيع متنوعة، وكان الهدف من ذلك تشجيعهم على زيارة المكتبات العامة والاستفادة من مصادرها. أما اليوم، وللأسف، لم يعد هناك اهتمام كافٍ من قبل المؤسسات التعليمية في توجيه الطلاب نحو المكتبات. هذه الثقافة بدأت تندثر، وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى قلة الإقبال على المكتبات العامة.”
نقص وتراجع
رأي كامل علي الحلفي، أمين مكتبة لم يختلف عن رأي كريم إذ قال :
“أنا أعمل في هذه المكتبة منذ عشرين عامًا، وألاحظ تراجعًا واضحًا في أعداد الزائرين، باستثناء بعض الباحثين المتخصصين، أعترف بأننا نواجه نقصًا حادًا في الكتب والمصادر الحديثة، وهذا يؤثر سلبًا على دور المكتبة، ومن خلال مجلتكم، أدعو الحكومة إلى الالتفات لهذا الأمر وزيادة المخصصات المالية لدعم المكتبات وتحديث مقتنياتها، حتى تعود إلى سابق عهدها كمنابر للعلم والمعرفة.”
سالم علي الألمعي، عامل كاسب:
(عمي، يا مكتبات يا ما أدري شنو!) بهذه العبارة بدأ سالم علي الألمعي، كاسب/ حديثه قائلاً: “نحن نركض من الصباح حتى المساء لنحصل على لقمة العيش، فكيف يكون لدينا الوقت للذهاب إلى المكتبات العامة؟ هل أذهب لقراءة كتاب في مكتبة أم أبحث عن رزق لأولادي؟ الحياة أصبحت صعبة، ولم يعد لدى الناس الوقت للجلوس في المكتبات”.
دور مهم
المكتبات العامة كانت وما زالت جزءًا أساسيًا من المشهد الثقافي، لكن تراجع الإقبال عليها أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها. بين التكنولوجيا التي غيرت أساليب البحث، والضغوط الحياتية التي جعلت الناس أقل اهتمامًا بالمطالعة، وبين قلة التحديث وضعف الدعم الحكومي، وجدت المكتبات نفسها في موقف صعب.
ومن خلال هذا الاستطلاع، يتضح أن هناك أسباباً عدة أدت إلى تراجع الإقبال على المكتبات العامة، منها التطور التكنولوجي، وانشغال الناس بمتطلبات الحياة، وعدم تحديث المكتبات بمصادر حديثة، ومع ذلك، فإن دور المكتبات لا يزال مهمًا في تعزيز المعرفة، ولا يمكن الاستغناء عنها بالكامل. لذا، فإن المطلوب اليوم هو إعادة النظر في وضع المكتبات العامة، وتطويرها بما يتناسب مع احتياجات العصر، يمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى المكتبات، وتوفير مصادر إلكترونية متطورة، وتنظيم فعاليات وورش عمل تحفز الأجيال الجديدة على الاستفادة من هذه المؤسسات الثقافية المهمة.