
رفع حصة العراق النفطية.. بين إنعاش الاقتصاد ومفاقمة الأعباء المالية
بغداد/ أحمد جعفر
على الرغم من إعلان تحالف “أوبك+” عن زيادة تدريجية في حصة العراق الإنتاجية، لتصل إلى 4.110 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية العام الحالي، إلا أن هذا القرار يثير تساؤلات جوهرية حول مدى كفايته لتلبية احتياجات البلاد المالية والسكانية. فالعراق، بثرواته النفطية الضخمة، لا يزال يواجه تحديات اقتصادية معقدة، ما يجعل هذه الزيادة موضع جدل بين الخبراء، الذين يرون أنها لا ترتقي إلى مستوى الطموحات، ولا تعكس الإمكانات الحقيقية لإنتاج وتصدير النفط.
تحولات السوق
اتفق أعضاء تحالف “أوبك+”، الذي يضم العراق، السعودية، روسيا، الإمارات، الكويت، كازاخستان، الجزائر، وعُمان، على مراجعة أوضاع السوق النفطية بشكل دوري، مع التزامهم بإعادة الكميات المخفضة طوعًا وفق اتفاقي نيسان وتشرين الثاني 2023، ابتداءً من الشهر المقبل.
وبموجب هذا الاتفاق، سترتفع حصة العراق تدريجيًا، إذ سيصل إنتاجه إلى 4.012 مليون برميل يوميًا في نيسان المقبل، و4.024 مليون برميل يوميًا في أيار، ليبلغ 4.110 ملايين برميل يوميًا في كانون الأول. كما أن هناك خططًا مستقبلية لرفع الإنتاج إلى أكثر من 4.220 مليون برميل يوميًا بحلول أواخر 2026.
لكن هذه الزيادة لا تزال مشروطة بمتغيرات السوق، إذ يملك التحالف صلاحية إيقاف أو تعديل التوسع الإنتاجي وفقًا لمقتضيات العرض والطلب، وهو ما قد يلقي بظلال من الشك على مستقبل الإيرادات النفطية للعراق، خاصة في ظل التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط عالميًا.
تعزيز الإيرادات
يرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أن العراق يمتلك القدرة على إنتاج وتصدير كميات تفوق بكثير حصته الحالية، مشيرًا إلى أن هذه الحصة لا تتناسب مع احتياجات العراق المالية ولا مع تعداد سكانه المتزايد مقارنة بالدول الأخرى المنتجة للنفط.
ويؤكد حنتوش أن على الحكومة العراقية تكثيف جهودها التفاوضية مع أوبك لضمان رفع حصتها الإنتاجية، ولاسيما مع قرب استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، وهو ما قد يفتح الباب أمام العراق لتجاوز حاجز 5 ملايين برميل يوميًا، ما يعزز الإيرادات النفطية ويدعم الاستقرار المالي للدولة.
لكن الخبير يحذر من أن زيادة الإنتاج وحدها ليست الحل الأمثل، إذ لا بد من تبني سياسات مالية رشيدة لإدارة العائدات النفطية، وتوجيه جزء منها إلى القطاعات الإنتاجية غير النفطية مثل الصناعة والزراعة، بهدف تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمورد وحيد. كما يشدد على أهمية الاستثمار في الطاقة البديلة والبنى التحتية لتعزيز قدرة الاقتصاد العراقي على مواجهة الأزمات.
تنويع الاقتصاد
من جانبه، يرى المختص في الشأن الاقتصادي والإقليمي أحمد الجنابي أن رفع حصة العراق الإنتاجية في “أوبك” قد يسهم في تحسين الإيرادات على المدى القصير، لكنه في المقابل يضع البلاد أمام مخاطر جسيمة إذا ما تراجعت أسعار النفط العالمية بشكل مفاجئ.
ويحذر الجنابي من أن اعتماد العراق شبه الكامل على النفط يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، الأمر الذي يستدعي تبني ستراتيجية اقتصادية واضحة لتنويع مصادر الدخل الوطني.
ويؤكد ضرورة الاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي وزيادة عدد المصافي المحلية، بما يمكن العراق من التحول تدريجيًا إلى تصدير المشتقات النفطية بدلاً من النفط الخام، ما يعزز القيمة المضافة للعائدات النفطية. كما يدعو إلى استغلال الموارد الهيدروكربونية في تطوير الصناعات البتروكيميائية، التي يمكن أن تشكل مصدر دخل مستدامًا للبلاد بعيدًا عن تقلبات أسعار الخام.
ويقدر الجنابي أن تنفيذ هذه الإصلاحات قد يضيف إيرادات إضافية تصل إلى 6 مليارات دولار سنويًا، وهو ما من شأنه تخفيف العجز المالي الحاد في موازنة الدولة، والمساهمة في بناء اقتصاد أكثر استقرارًا وأقل تأثرًا باضطرابات السوق النفطية.
مفترق طرق
أما الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، فيرى أن الإيرادات النفطية المتوقعة لن تكون كافية لتغطية جميع التزامات الدولة، إذ يتوقع أن يبلغ سعر برميل النفط العراقي نحو 67 دولارًا، ما يعني أن إجمالي الإيرادات النفطية، بعد خصم نفقات شركات التراخيص، لن يتجاوز 95 تريليون دينار.
وبذلك، فإن الإيرادات النفطية الصافية ستكون بالكاد كافية لتغطية رواتب الموظفين ومستحقات الرعاية الاجتماعية، ما يضع الحكومة أمام تحدٍّ كبير في تمويل بقية بنود الموازنة دون اللجوء إلى ستراتيجيات مالية محفوفة بالمخاطر.
ويحذر المرسومي من أن استمرار الاعتماد المفرط على النفط دون تنويع الاقتصاد قد يدفع العراق إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد فجوة العجز المالي، وهو من شأنه مفاقمة الأعباء المالية وزيادة الضغوط على الاقتصاد.
ويؤكد أن الحل يكمن في تعظيم الإيرادات غير النفطية، وضبط الإنفاق الحكومي، وترشيد السياسات المالية، لتجنب السقوط في دوامة الديون، ولضمان تحقيق استدامة مالية طويلة الأمد.
تحديات اقتصادية
وعلى الرغم من ترحيب البعض بزيادة حصة العراق في “أوبك+”، إلا أن التحديات الاقتصادية لا تزال قائمة، بل إن هذه الزيادة قد لا تكون كافية لإنهاء الأزمات المالية التي تواجه البلاد. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في مقدار الإنتاج فحسب، بل في كيفية إدارة الإيرادات وتحقيق التنمية المستدامة بعيدًا عن دوامة الاعتماد المطلق على النفط.
وبين آمال تعويض العجز المالي ومخاوف المستقبل، يبقى السؤال: هل تتمكن الحكومة العراقية من استثمار هذه الزيادة بالشكل الصحيح؟ أم أن النفط سيظل ورقة رابحة في يد الأسواق العالمية، لا في يد العراق؟