المطبخ الكردي.. فلكلورٌ وتراثٌ أصيل

24

ضحى مجيد سعيد

تشتهرُ المائدةُ الكردية في أربيل بتنوعها الفريد، وارتباطها الوثيق بالهوية الثقافية والاجتماعية، إذ تُعدُّ انعكاساً لتاريخ طويل من التقاليد الموروثة، ناهيك عن طعامها اللذيذ ونكهتها المُختلفة والمُميزة، خصوصاً أنها تختلف في طريقة تقديمها عن بقية المحافظات العراقية الأخرى.

الأكلات التي تُقدم على مائدة طعام الأُسَر الكردية، كثيرة ومتنوعة، منها أطباق رئيسة وأخرى جانبية، مثل (الباجه) كوجبة رئيسة و(الطرشانة) و(الكشك)، وغيرها من الأكلات الكرديه الفلكلورية والعراقية.
أطباق قديمة
أنمار عبد الستار، رئيس مُنظمة الطُهاة في العراق، حدثنا عن هذا الموضوع قائلاً: “هناك بعض الأطباق ليس لها مُرادف في اللغة العربية، ما يعكس خصوصية الثقافة الكردية، مثل (الدوشمة)، طبقٌ شهير يحضَّر بصلصة الطماطم مع العظام، ويُحشى بالأرز الكردي واللحم المفروم يدوياً. وأيضاً (الطرشانة) و(الكشك)، أطباقٌ فلكلورية تختلف مكوناتها من منطقة إلى أخرى في إقليم كردستان. وهنالك أطباق معروفة في كل الوطن العربي، مثل (الباجة)، التي من عادات الكرد تقديمها كطبق في المناسبات، إذ يُعتبر هذا الطبقُ رمزاً للكرم، خصوصاً في صباح العيد، وأيضاً (الكليجة) و(الدولمة)، اللتان تُعدان من أكثر الأطباق طلباً في رمضان والأعياد، بالإضافة إلى الأطباق الجانبية.” موضحاً أن المطبخ الكردي ليس حديث النشأة، إذ إن جذوره تمتد لأزمنة قديمة، مضيفاً: “لكن للأسف، انقرض قسم كبير منه بسبب حداثة المطاعم العربية والغربية وانتشارها بكثرة.”
طقوس الموائد
بدوره، صنف لنا (الشيف) سعد خضر صهيب، بعض الأكلات الكردية قائلاً: “هناك بعض الأكلات الكردية الشهيرة، مثل كباب الكرد (كبابي كورد)، نوع من الكباب يُحضّر من اللحم المفروم ويُقدم مع الأرز والخضراوات، بالإضافة إلى دولمة ورق العنب المحشوة بالأرز واللحم، وأيضاً كُفتة الكرد (كفته ى كورد)، وهي كفتة من اللحم المفروم تُحضّر مع البصل والتوابل، ومانتو (مانتوو)، عجينة محشوة باللحم والأرز تُقدم مع الصلصة.”
عن طقوس المائدة الكردية، تحدثت السيدة هفال خورشيد حمه – ربة منزل – لـ “الشبكة العراقية” قائلةً: “هناك طقوس تمتاز بها المائدة الكردية في إعداد وتحضير أطباقها، منها التحضير المبكر، إذ تبدأ العائلات الكردية بإعداد الأطباق قبل الفجر في المناسبات، لكي تُقدم على المائدة، وخصوصاً في عيدي الفطر والأضحى المباركين بعد صلاة العيد، إذ يتجمع أفراد الأسرة باكراً لتناول الطعام بعد التهاني، حول مائدةٍ تزخر بأطباق القيمر(قشطة مُخمرة)، والكاهي (حلوى تقليدية)، وبرنج به سركه (أرز بالخل)، وترخينة (عجينة قمح مُخمرة)، و (كشك) مع الفاصوليا، وغيرها من الأكلات.”
هوية الأطباق
السيدة بريفان أحمد صالح، تعمل شيفاً، تحدثت لـ “الشبكة العراقية” عن سعيها للحفاظ على هوية الأطباق الكردية، قائلة: “هنالك تحديات وجهود كبيرة نَبذلها للحفاظ على هوية المائدة الكردية، لأنها مُعرضة لخطر الانقراض بسبب تأثير المطاعم الحديثة وتراجع الأطباق التقليدية، وبدوري كخبيرة في الأكلات الكردية، أحاولُ دائماً نشرَ الوصفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأعمل أطباقاً من هذه الأكلات، واستخدم هذه المواقع -نوعاً ما- للحفاظ على الأكلات الفلكلورية للأجيال القادمة، وأعتمد على الأدوات البسيطة المتوفرة في كل بيت، بالرُغم من الجُهد والوقت الكبيرين الذين يتطلبهما التحضير.”
في حين قال الشيف إبراهيم حسن صالح: “الموقع الجغرافي لمحافظة أربيل له تأثير كبير على نكهة ولذة المائدة الكردية، خصوصاً أنها تقعُ بين المحافظات الثلاث (السليمانية، ودهوك، ونينوى)، إذ تُعد المائدة مزيجاً من المطبخ العراقي والتركي والفارسي والسوري، هذا التنوع بحد ذاته يُثري المطبخ الكردي بلمحاتٍ من الثقافات المجاورة. لذلك فالمائدة الكردية بالنسبة لنا أكثر من طعام، وإنما هي رمز وهوية تُجسد المجتمع الكردي وتُقدم أطباقه المشتركة.”
طعامٌ صحي
لم يذهب سرهنك علي بابير، متقاعد، بعيداً عما ذكره الآخرون، حين بيّن أن “مائدة أربيل ليست مجرد مكان لتناول الطعام، بل هي ساحةٌ تجمع العائلة الكردية لحفظ ذاكرتها.” مضيفاً: “على الرغم من رياح التغيير التي طالت المائدة الكردية، بسبب كثرة المطاعم المختصة بتقديم الأكلات الغربية والشرقية في أربيل، إلا أنها ستبقى شاهداً على إصرار الآباء والأجداد في نقل تُراثهم عبر الأطباق التي تجمع بين البساطة والفلكلور.”
وعدّ حمه سعيد حصن، صاحب مطعم مختص بالأكلات الكردية، الطبق الكردي، من الأطباق التراثية في المنطقة، مشيراً في حديثه لممارسته صناعة الطعام كهواية، مضيفاً: “الطبق الكردي أحد عناصر التراث، بالإضافة إلى كونه طبقاً يدخل ضمن الأطباق الصحية، عكس الأطباق الأخرى والوجبات السريعة وغيرها من الأطعمة الرديئة التي يأكلها الناس حالياً، المؤذية لصحتهم.”