(حدث ما لم يحدث) المسرح سينمائياً على أرض سومر

35

الناصرية / صفاء ذياب

هل حاول مسرحيو وأدباء الناصرية إعادة ما عُرف بالمسرح السومري؟ لاسيما نصوص مراثي أور، التي كانت تُقدم من خلال شخصيات، منها عشتار وتموز وغيرهما، فضلاً عن مجموعات تردد المآسي في جوٍّ مسرحي مبهر، يمكن تسميته بداية المسرح في التاريخ.

هذا ما فعله الكاتب علي عبد النبي الزيدي في تقديمه لمسرحيته الجديدة (حدث ما لم يحدث)، التي عرضها في قاعة مدينة أور السياحية، التي افتتحت مؤخراً، في محاولة لتكون منتجعاً سياحياً يعيد فكرة التاريخ وبداية الكتابة والمعارف.
المسرحية التي كانت من تأليف وإخراج علي عبد النبي الزيدي، وإنتاج (مشغل دنيا للإنتاج الفني)، وبدعم من اتحاد الأدباء والكتّاب في ذي قار، هي ضمن مشاريع هذا المشغل الذي بدأ منذ العام 2012 وقدّم العديد من العروض المسرحية في العراق وخارجه، وهي امتداد للأسئلة التي طرحها الزيدي في عروض مسرحية مثل: (تحوير بتول، يا رب، ميت مات، صفصاف…).
أفكار قابلة للطهو
ينطلق النص من سؤال يتعلّق بوجود الإنسان، وكيف جاء للحياة من دون أن يدري، أو من دون موافقته! ليجد نفسه متورطاً في كمٍّ هائل من المآسي والخذلانات والحزن والحروب والكوارث، وهناك من يقرّر مصيرك بوصفه سلطة قامعة لأحلامك وتطلّعاتك ويهدّد هذا الوجود. من جهة أخرى.. نرى النص يشتغل على وفق مفهوم زمني مختلف، فشخصية الأب، وهو يبدو مقدّساً! له زمنه الذي يحسب حسابه، يختلف بالساعات والأيام والسنوات، وهي بالنسبة للابن ليست سوى ثوانٍ فقط، وهذا يجعله يصرّح للابن بأنَّه ليس سوى ماضٍ حدث وانتهى.
من هنا، سيكون السؤال الوجودي في هذا العرض المهيمن بشكل كبير، وهو سؤال الإنسان في كلِّ مكان في هذه الأرض، حول قضية أهمّية وجوده في عالم لا شيء فيه سوى لغة الموت والقتل والقمع وسواها، من دون إجابات تذكر، وهي كما يرى مؤلف النص ومخرجه علي عبد النبي الزيدي؛ أسئلة الإنسان منذ أول لحظة وجد في هذا العالم.
أسئلة الوجود
عن تجربته الإخراجية، بعد أن عُرف على مدى عقود ككاتب مسرحي، يبيّن علي عبد النبي الزيدي أنّ الإخراج يتيح له الاشتغال على نصوصه وكتابتها مرة أخرى على خشبة المسرح، فـ “أنا العارف بأسرار نصوصي وشخصياتي وأحداثي وتفاصيل حياتها ووجودها، وكيف تفكّر، وماذا تحب وتكره.. وهكذا. لذلك أجدني الأقرب لهذه النصوص إخراجياً، لاسيّما تلك النصوص التي تذهب إلى الفلسفة وأسئلة الوجود والانتظار وسواها، مثل نص (ميت مات) ونص (حدث ما لم يحدث).”
تجربة مسرحية
ويقدّم الكاتب والمخرج الزيدي تساؤلات عدّة من خلال هذا العمل، فكيف استسلمنا لفكرة الحياة، أي أن نولد هكذا من دون أن ندري، ونجد أنفسنا في ورطة كبيرة لا نستطيع الفرار منها؟ وفي اللحظة نفسها ندرك أنّنا ضحايا الآباء الذين جاؤوا بنا إلى هذه المحرقة، ونكرّر الخطأ نفسه مع الأبناء، لتستمر هذه الدوّامة من دون نهاية، أي أنّنا نمارس عملية الإجرام نفسها التي مارسها الآباء عندما كانوا سبباً بوجودنا، ونمارس الجريمة ذاتها نحن مع الأبناء.. وهكذا! نص وعرض (حدث ما لم يحدث) يثير هذا السؤال بطريقته الخاصة، مدركاً أنَّ الإجابات ستكون متفاوتة بين متلقٍّ وآخر، وبين رافض أصلاً وآخر يجده سؤاله الأهم في حياته، الذي لا يستطيع البوح به، لأنّه سؤال موجّه بالدرجة الأساس للمقدّس، وبذلك لابدّ من الاستسلام له بوصفه عدلاً لابدَّ من حدوثه. يأتي المسرح هنا، نصاً وعرضاً، ليؤكّد عبثية أننا خلقنا من أجل أن نُقمع ونُنتهك ونُذل ونُقتل، وهو أداة–كما يزعم الزيدي- لإثارة مثل هذه الأسئلة الجوهرية التي لها علاقة بفكرة الوجود، وهو بالنسبة له كمؤلف بالدرجة الأساس جرى الاشتغال عليه بشكل واسع في نصوص كتاب (الإلهيات) و (ما بعد الإلهيات).
السينما ملاذاً
في كلِّ عملٍ، يسعى الزيدي لتقديم تقنيات عدّة، مثل السينما والسينوغراف والفيديو، وغيرها من التقنيات التي تدعم عروضه المسرحية، وفي هذا العرض وجد في السينما ملاذاً مهماً، إذ اشتغل على مجموعة من المشاهد التي صوّرت سينمائياً، مجسّداً فيها مفهوم الزمن عن الأب الذي يرى أنَّنا ماضٍ بالنسبة له حدث وانتهى، ولسنا سوى موتى، هذه المشاهد جاءت كشاهد عيان على ما حدث لشخصية (الابن عبد الرزاق) وهو يرى مصيره الكارثي المستقبلي الذي هو أصلاً ماض حدث ليس إلا، ومن هنا جاءت السينما في هذا العرض لتؤكّد فكرة الزمن، وفي الوقت نفسه توفّر لنا مناخاً جمالياً.
أدّى شخصيات هذا العمل (محسن خزعل ومخلّد جاسم وفراس عادل وأزهار شريف عبيد وعلاء نوماس وسارة كريم وزين العابدين علي عبد النبي وحسنين علي عبد النبي) مع اشتغالات للمخرج السينمائي ستار الحربي، وسينوغرافيا علي المطيري، وإدارة فنية بقيادة مهند جاسم وفريق عمله، في حين كان التأليف الموسيقي لـعلي أجود، ومساعد مخرج ناظم حسين، ومصمم الماكياج عبد الله كريم.