التكنولوجيا تتنبأ بجنس الشخص من شبكة العين

14

أحمد هاشم/
تخيل أنك تدخل عيادة عيون لإجراء فحص روتيني. يقوم طبيب العيون بالتقاط صورة سريعة لشبكية عينك، وبعد لحظات، يعلن جهاز الكمبيوتر بثقة عن جنسك، إذا ما كنت ذكراً أم أنثى. أظهرت دراسة رائدة نُشرت في مجلة Scientific Reports أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بجنس الشخص ببساطة عن طريق تحليل صور قاع العين الشبكية (صور الجزء الخلفي من العين) بدقة ملحوظة.

لماذا يعد هذا الأمر مهماً؟
للوهلة الأولى، قد يبدو التنبؤ بالجنس من صور الشبكية فضولاً أكاديمياً، لكن آثاره عميقة. يمكن تكييف التكنولوجيا نفسها من أجل الكشف عن العلامات المبكرة لأمراض، مثل السكري، أو ارتفاع ضغط الدم، وهي حالات غالبًا ما تظهر بشكل خفي في الشبكية. علاوة على ذلك، توضح هذه الدراسة كيف يمكن للأدوات التي لا تتطلب كتابة الأكواد أن تمكن الأطباء من تسخير الذكاء الاصطناعي من دون الحاجة إلى مهارات برمجة متقدمة.
وقد تسهم هذه الأداة في تحسين دقة التشخيص، من خلال توفير معلومات إضافية عن المريض. ويمكن أن تساعد في فهم أفضل للاختلافات بين الجنسين في بنية العين ووظيفتها، ما قد يؤدي إلى تطوير علاجات أكثر فعالية. وفي وسع هذا الاكتشاف أن يفتح الباب أمام تطبيقات جديدة في مجال الرؤية الحاسوبية، مثل التعرف على الهوية من خلال صور قاع العين. وقد تكون لهذه التقنية تطبيقات في مجال الطب الشرعي، إذ يمكن استخدامها لتحديد جنس الجثة في بعض الحالات.
سحر التعلم العميق
يقف خلف هذا الاكتشاف فرع من فروع الذكاء الاصطناعي، هو التعلم العميق. في الدراسة، طوّر الباحثون نموذجًا لا يتطلب خبرة في البرمجة ليعمل. جرى تدريب النموذج على أكثر من 84000 صورة شبكية من مجموعة بيانات بنك المعلومات الحيوية في المملكة المتحدة، وحقق النموذج دقة مذهلة بلغت 93% في الاختبارات الداخلية. حتى عند اختباره على مجموعات بيانات خارجية من مجموعات سكانية مختلفة، حافظ على أداء قوي، على الرغم من أن دقته انخفضت قليلاً عند وجود أمراض في شبكية العين.
ولكن إليك المفاجأة: حتى أطباء العيون ذوو الخبرة لا يستطيعون التمييز بين شبكية الذكور والإناث بمجرد النظر إليها. فكيف يتمكن الذكاء الاصطناعي من فعل ما لا يستطيع الخبراء البشريون فعله؟ يكمن الجواب في قدرته على اكتشاف أنماط دقيقة عبر ملايين البكسلات، أي أنماط غير مرئية للعين البشرية.
ما الذي يختبئ في أعيننا؟
الشبكية ليست مجرد نافذة على دواخلنا، بل هي أيضًا خريطة لتركيبتنا البايولوجية. أشارت الأبحاث السابقة إلى وجود اختلافات هيكلية بين شبكيتي الذكور والإناث، اختلافات في زوايا الأوعية الدموية، وسمك الشبكية، وحتى تدفق الدم العيني. ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات دقيقة للغاية لدرجة أنها لم تلحظ إلى حد كبير من قبل الأطباء.
يسهم هذا الاكتشاف في إتاحة التكنولوجيا المتطورة لعدد أكبر من المتخصصين في الرعاية الصحية. تخيل مستقبلاً يمكن للأطباء فيه تصميم نماذج التشخيص الخاصة بهم من دون الاعتماد على مهندسين متخصصين..
تحديات وأسئلة
بالطبع، لا يخلو هذا الابتكار من التحديات. فعلى سبيل المثال، انخفض أداء النموذج بشكل ملحوظ عند وجود أمراض في شبكية العين، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى مزيد من التحسينات. إضافة إلى ذلك، هناك أسئلة أخلاقية تلوح في الأفق: هل يجب علينا استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالسمات الحساسة، مثل الجنس، أو العرق؟ كيف نضمن استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول؟
يظل هذا الاكتشاف دليلاً على الإمكانات المذهلة للذكاء الاصطناعي في الطب. فمن خلال التحديق في أعيننا، تكشف الأجهزة عن أسرار بصدد تكويننا البايولوجي الذي يسعى حتى الخبراء إلى تفسيره.