الطبيب أكرم عبد حسن: نأى بجسده بعيداً وما زال قلبه على العراق
جبار عبد الله الجويبراوي /
كانت سنوات الحصار التي مرت على العراق في مطلع تسعينات القرن الماضي ذات وقع ثقيل على كاهل العوائل الفقيرة والمتعففة ولم يكن بمقدورها الحصول على قوتها اليومي إلا بشق الأنفس فكيف إذا مرضَ أحد أفراد تلك الأسر التي لا تملك أجرة المعاينة ولا كلفة الأدوية باهظة الثمن ما يضطرها إلى مراجعة المستشفيات الحكومية التي بدأت صيدلياتُها تُصَفِّرُ معظمَ الأدوية .
إلا إن الله سبحانه وتعالى قيّض لأولئك الفقراء مجموعة من الأطباء ذوي القلوب الرحيمة وإن كانوا قلّة، وكما يقال “إن الكرام قليل ” ، وكان في طليعة أولئك الأطباء طبيب أريحي تسلم مهام إدارة المستشفى التعليمي في البصرة فذاع صيته واستعلم عنه الفقراء في المحافظات الجنوبية، وصاروا يولون قبلتهم شطر البصرة حيث المستشفى التعليمي.
وفي كل يوم من أيام الدوام الرسمي وفي تمام الساعة السابعة والنصف من كل صباح يتوجه نحو المراجعين شاب ذو وجه بشوش يقول الناس عنه إنه الدكتور ( أكرم ) مدير المستشفى إذ يأمر العاملين بفتح البوابة ودخول جموع المراجعين وفي مقدمتهم الفقراء والمتعففون بنسق جميل لم يُرَ مثله من قبل كما ذكر أحد المراجعين من أبناء مدينة العمارة الذي قصده ذات مرة ، إذ يدخل صالة الاستعلامات الدكتور أكرم ويجلس خلف منضدة ويخرج مجموعة من الأوراق وهو يملأ تلك الاستمارات ويُقّسِّم المرضى إلى مجموعات تعاونه ثلّة من الممرضين والممرضات الشباب ليقوموا بواجب الأدلّاء في ردهات المستشفى ذي الطوابق المتعددة .
بعد سقوط النظام
ظلت الحياة اليومية جارية على رتابتها في تلك الأجواء المشحونة بالفقر والتعسف والظلم حتى إذا حل عام 2003 وسقوط النظام الصدامي وصارت القوات المحتلة تفتش عن أعوان الدكتاتور والذي كان في مقدمتهم المجرم علي حسن الكيمياوي الذي اختفى في أحد بيوت مدينة البصرة، وكان من سوء حظه أنه اختار بيتاً قريباً من بيت الدكتور أكرم صاحب القلب الطيب فرمته طائرة بصاروخ وبدلاً من أن تصيب هدفها أخطأته وسقط الصاروخ على مقربة من دار الطبيب فانهارت على من فيها ومنحتهم الشهادة وكان عددهم اثنا عشر شخصاً.
حمل الناعي أخبار الكارثة ووقف الطبيب أكرم يتفقد من بقي حياً من أفراد عائلته ولم يجد غير زوجته ووالده، والباقون انتقلوا إلى بارئهم وما زالوا تحت الأنقاض.
لم يجزع لما رآه من كثرة الباكين والمعزّين من أحبته والفقراء والمتعففين. أربعون يوماً مضت على المأساة، لم يطق البقاء هناك فنأى بنفسه إلى المملكة المتحدة والتحق بأحد مستشفياتها حيث تخرج فيه. لكنه لم ينس مرضاه فساقه الشوق إليهم وعاد مرة أخرى إلى وطنه الحبيب العراق صابراً على كل ما ألم به من حزن وفتح عيادته الخاصة ليستقبل مرضاه الذين شعروا بالطمأنينة ما دام هو بالقرب منهم، لكنه لم يقطع صلته بالجامعات التي خرّجته ومنحته أعلى الشهادات ومازال كذلك صدقة جارية لأمه الحنون وأخوه وأخته وأولادها وخمسة من فلذات كبده الحرّى قضوا حتفهم في تلك الكارثة (رحمهم الله جميعا ) . .
سيرة عطرة
ما أحوجنا إلى مثل هذا الإنسان الغيور الذي دأب على معالجة الفقراء والمتعففين وعوائل الشهداء من أبناء وطنه مجاناً . .
والطبيب أكرم عبد حسن جراح استشاري، زميل المجلس العربي للاختصاصات الطبية، زميل كلية الجراحين العالمية / شيكاغو، زميل كلية الجراحين الملكية البريطانية / ادنبره، زميل كلية الجراحين الملكية البريطانية / غلاسكو . .
وكان قد ورد في أحد المؤلفات العلمية التي تناولت سيرته العطرة، أنه طبيب سليم القلب، حريص على التعليم ونفع الناس، رغبته في شفاء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجر، ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء، رفع شعاراً في عيادته الخاصة ( فحص وعلاج المتعففين مجاناً ) .