برناردشو لن أموت!

932

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

في عام 1946 كتب فيلسوف بريطانيا الساخر جورج برناردشو يقول:

«حين يصبح الإنسان شيخاً طاعناً في السن، شأني أنا، فإن أكثر ما يزعجه ويضايقه، هو ان رجليه تبدآن بخيانته قبل رأسه.. فتراه يتعثر دائماً بمشيته، وقليلاً ما يتعثر بكلامه او بتفكيره! فأنا مثلا «اتفركش» وأنا أمشي ثلاث مرات في الأسبوع بانتظام..

هذا ما كتبه برناردشو منذ أربع سنوات.. وفي مطلع الشهر الماضي، بينما كان الفيلسوف الشيخ يتمشى في حديقة منزله، إذا به يتعثر ويقع فتُكسر ساقه اليسرى، وينقل على الفور الى المستشفى لتجرى له عملية تجبير الساق.. ولم تكن إقامة شو في المستشفى سبباً لانقطاعه عن إرسال النكات والطرائف، حتى ولو كانت على حسابه.. وحساب لحيته أيضا! فحين أراد الأطباء «تبنيج » الشيخ تمهيداً لإجراء العملية، رأوا أن لحيته الكبيرة يجب أن تقص ليتسنى لهم إحكام إطباق كمامة المخدر على وجهه.. ولكن شو رفض بإباء وشمم، وصاح فيهم قائلاً انه لن يسمح بإزالة شعرة واحدة من لحيته التي لم يمسها مقص منذ أربعة وسبعين عاماً!

وذهبت جميع محاولات الأطباء لإقناعه بضرورة قص اللحية عبثاً فقال لهم شو:

لقد وجدت لكم الحل.. ألصقوها الى وجهي بالشريط المشمع ثم ضعوا الكمامة! وهكذا كان. وفي اليوم التالي كان شو في سريره بالمستشفى يستمع الى محطة لإذاعة لندن تنقل الى العالم الأنباء عن الحادث الذي حصل له وتطمئن المستمعين الى نجاح العملية وتحسن صحة المريض الكبير.. فنظر شو الى من حوله وقال: عجيب أمر هؤلاء الناس. انهم يتكلمون عني وكأنهم يتكلمون عن بقرة مقدسة! والعادة المتبعة في المستشفيات هي ان تأتي الممرضات صباح كل يوم فيغسلن وجوه المرضى وأيديهم وقسماً من أجسامهم.

ولما انتهت الممرضة من غسل شو في اليوم الأول، نظر إليها الكاتب وقال: لن اسمح لك بهذا بعد الآن..انني أفضل ان أبقى وسخاً حتى يصبح باستطاعتي ان استحم .. (فالأنتيكا) يا آنستي العزيزة يجب ان لا تفرك وتحك بهذا الشكل! والأنتيكا التي كان يعنيها شو، هي شو نفسه.

وفي اليوم الثالث لوجوده في المستشفى نهض الفيلسوف العجيب من سريره، فوقف بضع ثوان على رجله السليمة الواحدة، وراح يهز رجله المكسورة هزاً خفيفاً على سبيل التمرين. وفي اليوم الرابع، قال للطبيب حين أتى لزيارته: اسمع يا دكتور انك لن تستفيد شيئاً على الإطلاق إذا قدر لي ان أشفى هذه المرة.. فشهرة الأطباء عادة ترتكز على عدد المشاهير وكبار الرجال الذين يموتون بين أيديهم! وأخيرا، فقد زارت شو أثناء إقامته في المستشفى بعثة أميركية تمثل شركة للأنباء المصورة، فطلب رئيس البعثة من الفيلسوف ان يسمح له بالتقاط فيلم قصير عنه في المستشفى، وان يلقي رسالة الوداع الأخيرة للعالم قبل موته.
فضحك شو وقال للأميركي:

انتم الأميركان شعب وقح!

ثم أن برناردشو الذي تعجبون به قد مات منذ زمن بعيد.. أما برناردشو الذي لا يزال حيا يرزق، وهو أنا، فإنه يرفض ان يذيع رسالة وداعيّة رفضاً باتاً.. لسبب بسيط جداً وهو أنه لا يريد أن يموت الآن!

المضحك المبكي 1950