ميلاد الريس!!

1٬007

حسن العاني/

(7/1) هو عيد ميلاد أي عراقي يجهل متى رأت عيناه النور، كذلك جرت الحال في النصف الأول من القرن الماضي بصورة عامة، وعلى وجه التحديد في القرى والأرياف بصورة خاصة. وهكذا مات ملوك العراق ولم نتعرف على تواريخ ميلادهم، ومن يضمن أنهم كانوا يعرفونها، ويقال الشيء نفسه عن رؤساء الجمهورية الأربعة “عبد الكريم وعبد السلام وعبد الرحمن والبكر”. وأغلب الظن أنهم يجهلون تواريخ ميلادهم، إلا آخر العنقود كما يقال، او آخر الرؤساء “صدام حسين”، فله شأن غير شؤون العباد، حيث سنّ سنّةً غريبة على تاريخ البلاد وسياستها عندما ابتدع للعراقيين مناسباتٍ وأياماً تفوق أيام السنة، فلا نكاد ننتهي من الاحتفال بتتويج جلالته قائداً للضرورة في العراق، والتبشير بتنصيبه امبراطوراً على العرب في القريب العاجل، حتى نحتفي ببيعته ومبايعته حاكماً مطلقاً مدى العمر، ولا نكاد نفرغ من يوم النداء حتى نباشر في أسبوع قادسيته الذي يمتد شهراً كاملاً، وقبل أن نسترد أنفاسنا نعد العدّة لتاج المعارك ثم أم المعارك. ومن دون استراحة، نقفز من عروس مندلي الى عروس الثورات، ومن يوم النداء الى يوم الزحف، ومن الى … ومع ذلك فإن سيد الأيام وأمير المناسبات هو (28 نيسان)، الذي لا ينافسه يوم جمعة او عيد او عرَفة، لأن شمس العراق في ذلك اليوم المبارك لم تلتزم بحسابات الفلك وقوانين الطبيعة، فأشرقت من “العوجة”. ومن هنا اكتسب الاحتفال بعيد ميلاد القائد أهمية استثنائية، خارج متاعب الحصار وحسابات الميزانية، وعلى ذمة صديق شيوعي، فإن ما أنفق على ميلاد القائد في إحدى السنوات، بلغ (4) مليارات دينار في وقت كان محرماً على المرأة الحامل ان تتوحم بشيش كباب!

مع سيئات (28 نيسان) الكثيرة، ليس ابتداءً بأموال تنفق في غير مكانها، وليس انتهاءً باضطهاد (السوّاق) وإجبارهم على نقل آلاف “المدعوين” الى مسقط رأس القائد مجاناً، فقد كان بالمقابل يوم “ضوء” للناس، لا تنقطع فيه الكهرباء ثلاثة أيام متواصلات، مثلما كان يوم سعدٍ للإعلاميين، ينتظرونه بفارغ الصبر، لأن التكريمات تنهال عليهم بسخاء. وكانت وسائل الإعلام تجند منتسبيها وتتنافس على إظهار هذا اليوم وكأنه من أيام الله المرتقبة. وكانت محارير (جمع محرار على ما أظن) المكتب الإعلامي للرئيس، ووزارة الإعلام، والحزب، تقوم بتأشير منْ هم أكثر ولاءً ومنْ هم المشكوك بولائهم!

لعل أشد المتحمسين لهذا اليوم التاريخي هم (صغار الإعلاميين)، فقد كانوا يتوسطون ويتقاتلون ويدفعون الرشوة، لكي تظهر “أعمالهم” في ذلك اليوم، وظهور الاسم يعني أن صاحبه مُبشَّر بالجنّة، فهناك مبلغ مالي في الطريق، يساعده على التباهي أمام أسرته، وكسب رضا زوجه، والذهاب الى القصاب بشجاعة. من طريف ما استذكره هنا موقف واقعي، حيث ظهر تحقيق “صغير” في أحد المطبوعات، لا يزيد حجمه على ربع صفحة مع صورتين.. كتبوا تحته “فريق العمل”، وهذا الفريق مكوّن من خمسة محررين وثلاثة مصورين!! والأمر الذي يثير الضحك أن الرئيس ،حفظه الله ورعاه، كان منزعجاً في ذلك العام، فلم يكرم أحداً، ولهذا سمعتُ بملء أذني (الزملاء) الثمانية وهم يشتمون همساً، صدام حسين ويوم ميلاده الأسود!

أقولها بحزن كبير، وأسف شديد، توقف هذا التقليد بعد2003، وهو الأمر الذي أدى الى توتر العلاقة بين الإعلاميين والحكومة. لذلك أناشد منظمات المجتمع المدني، ومنظمة الرفق بالإنسان، الى التدخل العاجل، وتضمين الدستور فقرة تنص على ان أعياد ميلاد الرؤساء الثلاثة “الجمهورية والوزراء والبرلمان” يجب أن يكون معلناً، ومن واجب الإعلاميين تغطيته. وعلى فخامات الرؤساء أن لا ينسوا فقرة التكريمات، أو يتحايلوا عليها بلعبة قانونية، وبخلاف ذلك فإن الإعلاميين سيضطرون الى البحث عن مصادر خارجية لتمويل أقلامهم، ولا لوم عليهم اذا احتفلوا بعيد ميلاد ترامب او روحاني او إردوغان او الأسد في حال بقائه في السلطة!