ساهموا في بناء أولى حضارات العراق الصابئة المندائيون (موحّدون) تكفرهم داعش!
سارة السهيل/
يشكل الصابئة المندائيون جزءا اصيلا من نسيج المجتمع العراقي، كعرق وطني ضارب في أعماق التأريخ.. عرفوا على مدى التأريخ بالمسالمة وساهموا بشكل كبير في انعاش اقتصاديات وثقافة وطنهم. الا انهم تعرضوا، منذ أكثر من ألف عام ومازالوا الى شتى أنواع التعسّف والاضطهاد الديني والاجتماعي، ما أجبر عدد كبير منهم على ترك الوطن والعيش في المهجر.
واليوم يعاني اتباع الصابئة المندائية شتى أنواع المعاناة بعد ان كفروا من تنظيم داعش الارهابي، فصاروا يواجهون الاضطهاد والخوف والقتل والتهجير، وبرغم ان دينهم دين توحيد وورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الا ان دماءهم حُلت بفتوى التكفير التي اطلقها تنظيم داعش.
ابتزاز وتشويه
حرم الصابئة في العراق من تبوء مراكز قيادية أو مناصب عليا بسبب المحاصصة السياسية، كما انهم لايشعرون بالأمان نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة، فأصبحوا اليوم من اكثر الفئات تعرضا للاختطاف والابتزاز المادي والقتل في محاولة لنشر الذعر في قلوبهم ودفعهم للهجرة.
ومن ينج منهم من القتل يواجه أخطار عصابات الجريمة المنظمة التي تقتحم بيوتهم وتسرق أموالهم ومقتنياتهم تحت تهديد السلاح بحجة انهم أقلية، فضلا عن خطف الكثير منهم ومقايضتهم بالمال. ولم تقف معاناة هذه الأقلية عند هذا الحد، بل ان أطفالهم يعيشون في خوف دائم عند ذهابهم للمدارس بسبب النظرة الدونية لهم أو تعرضهم للأختطاف.
تهجير قسري
يبلغ عدد الصابئة في العالم 50 الفاً، والنسبة الأكبر منهم في العراق قبل عام 2003، وبعد هذا التأريخ تم تهجير قسم كبير منهم برغم عدم انخراطهم بالعمل السياسي أو الحزبي، ولم يتبق غير 4000 صابئي موزعين بين مدن العراق وهم في تناقص مستمر، ما ينذر باختفاء أحد أقدم مكونات العراق الدينية.
يتكلم الصابئة اللغة العربية، لكن لغة كتبهم المقدسة كتبت بالمندائية، وهي اللغة التي كان يتكلم بها سكان وادي الرافدين وتتشابه مع اللغة الآرامية، ونسبة التعليم ترتفع بينهم لنحو 99%.
خصائصهم الحضارية
ساهموا في الحضارة الاسلامية خاصة في مجال العلوم من خلال علمائهم ومفكريهم أمثال أبو إسحاق الصابئي وزير الطائع والمطيع، وثابت بن قرة وولداه سنان وإبراهيم اللذان برعا في الطب والرياضيات والفلك والترجمة، وجابر ابن حيان الصابئي.
وفي التأريخ الحديث، برع منهم المرحوم عبد الجبار عبد الله اعظم علماء العراق، ولميعة عباس عمارة، وناجية المراني، وعبد الرزاق عبد الواحد.
جذور المندائيين
الدلائل التأريخية تشير إلى أن أصل المندائيين هو وادي الرافدين، ومنه كان بروز أول دين يؤمن بالرب الواحد وهو الدين المندائي، خاصة في جزئيه الأوسط والسفلي إلى الأهوار، كما أن لهم امتدادا في حران (الشام) وفي فلسطين وحتى في مصر حسب ما أوردته كتب المؤرخين العرب.
السبي الأموي
تعرض المندائيون عبر تأريخهم الطويل لاضطهاد كبير من قبل أقوام واديان عدة، وقد ورد في تأريخهم الكثير من المضايقات التي تعرضوا لها سواء كان ذلك في العصر القديم أم الحديث، ومنها غزو الأمير محمد بن مروان بن الحكم الأموي للصابئة مرارا وسبى بها.
واضطهدهم اليهود وسلطتهم الزمنية في أورشليم القدس قبل نحو آلفي عام، وبسببها هاجر المندائيون الفلسطينيون إلى بلاد الشام (حران) ومنها إلى وادي الرافدين، للالتقاء بإخوتهم هناك. كما تعرضوا للاضطهاد في حكم السلطة البيزنطية بعدما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية.
التعميد
كلمة صابئة جاءت من جذر الكلمة الآرمي المندائي (صبا) أي بمعنى (تعمد، اصطبغ، غط ،غطس) وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهو طقس (المصبتا – الصباغة – التعميد) فكلمة صابئي تعني (المصطبغ أو المتعمد) .. أما كلمة مندائي فهي آتية من جذر الكلمة الآرمي المندائي (مندا) بمعنى المعرفة أو العلم، وتعني المندائي (العارف أو العالم بوجود الخالق الأوحد الأزلي).
ويرجع اللغويون العرب كلمة الصابئة إلى جذر الفعل العربي (صبأ) المهموز، وتعني خرج وغير حالته، وصار خلاف حاد حول أصل الكلمة أهو عربي من صبأ أم آرامي من صبا.. ولكن كلاهما يعني الخروج من دين الضلالة والدخول في دين التوحيد الحنفي.
والمندائية امتداد لشريعة عوالم النور (عوالم الله).. فهي تعني المعرفة أي معرفة الرب وتوحيده، الحي العظيم (هيي ربي) مسبح اسمه، وكان مندائي بسبب معرفته، هو آدم (مبارك اسمه).
وتؤمن الديانة المندائية بان آدم وشريعته الفطرية ماهي إلا المندائية وتعني معرفة الرب ووجوده ويحتفظ المندائيون بصحفه السماوية.
وتتوالي الأنبياء لدى المندائيين مثل النبي شيتل بن آدم الرجل الأول (الغرس الطيب) الذي أفدى والده، فكانت روحه الأقدس من بين البشر، والنبي سام بن نوح (المتعبد الخاشع) والذي تزخر الكتب الدينية المندائية المقدسة بصحفه وقصصه وتراتيله، والنبي يهيا يوهنا – يحيى بن زكريا – يوحنا المعمدان (الحبيب المرتفع) ويحتفظ المندائيون بكتابه وهو النبي الأخير الذي يؤمن به الصابئة المندائيون.
كتبهم المقدسة
للصابئة كتابهم المقدس يدعى كـنزاربا المقدساي الكنز العظيم، أو صحف آدم، أو مخطوطات النبي آدم الكتاب الروحي للصابئة المندائيين هو (كنزا ربا)، ويحتوي من مفاهيم وكلام الرب العظيم وتعاليمه إلى الإنسان، وكتب وجمع في عصور مختلفة، واحتوى على تعاليم وحكم وقصص الآنبياء والمعلمين الأوائل للمندائية وعلى مختلف عصورهم.
تعاليم يحيى
كما يوجد لديهم 24 كتاباً مبارك آخر لسنن انبياء الصابئة وكتب لتنظيم الأدعية والطقوس والزواج، أبرزها كتاب « دراشة إيهيا» من أهم كتبهم المقدسة « أي تعاليم يحيى»، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام.
عادات وتقاليد
لا يوجد طلاق في الديانة المندائية بالمعنى الفعلي للكلمة، بحيث يستوجب بعده إعادة مراسيم الزواج أو العقد الديني الشرعي، وإنما يوجد هجران أو فرقة، يعود بعدها الزوجان إلى أحدهما الآخر من دون عقد ديني ثان، وتتحقق الفرقة بين الزوجين بأسباب كبيرة ومهمة أهمها الآتي : اثبات إثبات الزنا.
وتحرم الديانة المندائية تحريما قاطعا وبشدة كل عملية سحرية وشعوذة وتنجيم يقوم بها أي شخص، لأنها منافية لعبادة الخالق الأزلي.