المنتمي الشامل

971

برهان المفتي/

الكل أمام الإعلام غير طائفيين، وفي الوقت عينه الكل أمام الإعلام طائفيون.
تماماً هذا هو المشهد الطائفي في العراق والذي يشير إلى ازدواجية الشخصية العراقية والحرص على تلك الازدواجية حتى في العلاقات المجتمعية والأمن المجتمعي فأن يقول شخص ما بأنه (غير طائفي) إنما هو إقرار بوجود طوائف وفئات وطبقات في المجتمع، وأنه يبتعد عن مثل تلك التصنيفات! تلك التصنيفات التي جاءت من غياب المُنتمي الذي ينتمي إليه الجميع ويشعرون فيه بالأمان من دون اللجوء إلى حدود فئوية توفر لهم شعوراً بالقوة والمباهاة، المباهاة الطبقية والفئوية -وبالطبع الطائفية– في حال غياب المنتمي الشامل.
ولبناء حاجز صد مثل Fire Wall الذي يصد الفيروسات البرمجية في الكمبيوترات، فإننا بحاجة للتعامل مع فيروس الطائفية بالمستوى نفسه بتحصين المجتمع بنظام صد غير قابل للاختراق، ويبدأ بناء ذلك الحاجز من العمل على ثقافة الانتماء الشامل وليس الفئوي، وهو عمل معقد بسبب طوفان الفئوية القوي الآتي من العشائرية والولاء العشائري حين يصبح أبناء العشيرة يتحركون بهوى وولاء وإشارات رئيس العشيرة وزعيم القبيلة واتجاه راية ناموس العشيرة، وذلك بسبب غياب الأمن المجتمعي فيشعرون بوجود نوع من (الأمان) في انتمائهم العشائري بحكم عرف عشائري بين أبناء العشيرة الواحدة.
وحين قراءة المجتمع العراقي، أو حتى محاولة النظر للـ(هوية العراقية) – وهي هوية غير موجودة بالمعنى الشامل للهوية-، فإن نتيجة تلك المراجعة والقراءة هي عدم وجود أية غاية يسعى إليها الجميع، ولا وجود لأي أفق ينظر إليه الكل، ولا مسار واحد يسير فيه الجميع، وهذا واضح حتى في المراسلات الرسمية، بل وحتى في وجود أعلام قومية تزاحم علم الدولة الرسمي. وفي بعض دواوين العشائر، فإن علم وناموس العشيرة أعلى من علم الدولة. لذلك، فإننا بحاجة إلى خلق – بالمعنى الدقيق لكملة الخلق – منتمٍ يضم الجميع وتنصهر فيه كل الولاءات الفرعية التي هي أساس الطبقية وبؤرة انطلاق فيروس الطائفية ليضرب كل شيء في المجتمع. وعملية الخلق تلك تحتاج إلى موارد وظروف ولادة ذلك المنتمي الذي ننشده.
أول هذه الموارد هو ثقافة احترام القانون، وذلك يأتي من قوة القانون نفسه وعدم وجود استثناءات فيه، فالاستثناءات في أي قانون تجعله ضعيفاً ونخبوياً يشمل البعض ويستثني الآخرين. لذلك، يجب المناداة بإزالة الاستثناءات من القوانين الصادرة وعدم تضمين أية فقرات لاستثناء طرف ما من أحكام أي قانون تحت أي ظرف، فشمولية القانون تعطي للقانون هيبته وحضوره في المجتمع بين الجميع، ومتى ما شعر الجميع أن القانون يضمهم كلهم، حينذاك تتداخل الانتماءات الفئوية من أجل تشكيل المنتمي الشامل، كذلك القانون الذي يشمل الجميع.
وبعد ذلك، تطهير لغة الإعلام والمراسلات وحتى التخاطب الشفاهي في الدوائر الرسمية من توصيفات تدل على الطائفة، فجميعنا نعرف، ولنكن صريحين في هذا الإقرار، بأن هناك توصيفات معينة تستخدم بكثرة في الدوائر والمراجعات العراقية تدل على الطائفة الدينية، تلك التي يستخدمها المراجع للتقرب من المسؤول أو يستخدمها الموظف للتقرب من مديره الأعلى، ويجب استصدار تعليمات تنظيم لغة تخاطب موظفي الدولة ومراجعي الدوائر الخدمية الرسمية، وتشديد عقوبة التجاوز على مثل هذه التعليمات، وأن يكون التزام أية مؤسسة رسمية مثبتة في لوحة في مدخل المؤسسة بتوقيع أعلى عنوان وظيفي في تلك المؤسسة، وفي تلك التعليمات، منع استخدام اسم العشيرة لأي مسؤول وظيفي بدرجة مدير قسم فما فوق. بمثل هذه الإجراءات، تتوفر لدينا الموارد اللازمة لتشريع قانون تجريم الطائفية ولغة الطائفية في كل وسائل ومجالات التخاطب والإعلام والتواصل، وتشديد إجراءات المنع وغلق أية مؤسسة إعلامية عراقية أو خارجية لا تلتزم بذلك القانون والذي نكرر القول أن لا يكون فيه أي مجال للاستثناء، لكي يشمل الجميع، وبذلك ننجح في خلق المنتمي العام الشامل الذي ننمتي إليه جميعاً وهو القانون الذي يؤسس لإنتمائنا الوطني.