زهرة الشيطان..سامة ومخدرة تنبت في الحدائق والبساتين

2٬190

إنعام العامري/

قد يكون انتشار المواد المخدرة أمراً يمكن السيطرة عليه من قبل السلطات المختصة، لكن أن تنمو نبتة بشكل “طبيعي” في الحدائق والبساتين وأكتاف الأنهر، ويتم استخراج المواد المخدرة منها، فهذا وضع يدق ناقوس الخطر.
في مدينة المقدادية بمحافظة ديالى، تم العثور على المئات من نبتة “الداتورة”، وهي واحدة من 85 نوعاً نباتياً صنّفها مركز بحوث ومتحف التاريخ الطبيعي العراقي بأنها “سامة” للإنسان والحيوان، ولها استخدامات أخرى تتعلق باستخراج المواد المخدرة منها.

ما يميز هذه النبتة سريعة النمو، والموجودة في مناطق وسط وجنوب العراق، هو شكلها الجميل بأوراقها البيض وعروق بنفسجية ورحيق حلو المذاق، ويطلق عليها العراقيون “زهرة البوق” لأن وردتها تشبه المزمار ويزرعونها في حدائقهم للزينة، لكن بعضهم يسمي الداتورة “زهرة الشيطان”، لأنها تنتج مادة مخدرة تسبب الهلوسة والهياج ويتبعها الكسل وعوارض تنفسية خطيرة، وهو ما يبحث عنه متعاطو المخدرات.

شيطان المقدادية

وبحسب المتحدث باسم شرطة ديالى العقيد غالب عطية، فقد “تم قلع 470 نبتة داتورة عثر عليها فريق مشترك من الشرطة ومكتب مكافحة المخدرات وزراعة ديالى في مناطق متفرقة في مدينة المقدادية”. وأضاف عطية في حديثه لـ”الشبكة”: “تنمو هذه النبتة بشكل طبيعي، ولم يؤشر قيام أية جهة بزراعتها، والدليل أنها موجودة بمناطق متفرقة وبأعداد قليلة، غير أن اللافت للأمر هو زيادة أعداد تلك النباتات خلال الآونة الأخيرة، وقد يستفيد منها متعاطو المخدرات”.

سألناه هل أن متعاطي المخدرات يبحثون عن هذه النبتة للحصول على المادة المخدرة مجاناً، فأجاب “ليست القضية بهذه السهولة، ما موجود من نباتات الداتورة لا يوجد بأماكن محددة حتى يسهل الحصول عليها، فتارة نجدها في الحدائق، وتارة أخرى في البساتين وأكتاف الأنهار، ومع هذا القينا القبض على 13 شخصاً من متعاطي المخدرات أو المروجين لها، وحكم على خمسة منهم بالمؤبد، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مختلفة”.

ترانزيت

وبحكم موقع العراق الجغرافي، فأنه يعتبر محطة عبور للمخدرات الى الدول التي تنتج وتستهلك هذه السموم، ويلاحظ أن المناطق الحدودية في البلاد ترتفع فيها نسبة المتعاطين، وفق ما ذكره المسؤولون في هذا القطاع.
مدير مكتب مكافحة المخدرات في ديالى العقيد موفق السهلاني أكد وجود المخدرات في المحافظة، لكن نبات الداتورة بريء منها، وقال لـ”الشبكة”: “تعتبر ديالى محطة عبور للمخدرات، بحكم موقعها الجغرافي، فتلك المواد السامة تمر عبر ديالى من المعابر الحدودية، وخصوصاً خانقين ومندلي وقزانية، أو المناطق المحاذية لكردستان، فالمحافظة تعدّ محطة ترانزيت، وتتحمل وزر ذلك من خلال نسبة الـ5% من سكانها الذين يتعاطون المخدرات، وهي النسبة الرسمية المسجلة في جميع مناطق العالم التي تكون مدنها محطات عبور للمخدارت”.
وأضاف السهلاني “ما يثير الاستغراب، أن نبتة الداتورة ظهرت في مدينة المقدادية تحديداً دون غيرها، وهو سر لم نستطع فك طلاسمه، بالرغم من أن جميع المؤشرات الموجودة لدينا، تؤكد نمو هذه النبتة بشكل طبيعي ومن دون تدخل الإنسان”.

مصدر تجارة

نقلنا تساؤل مدير مكتب مكافحة المخدرات الى رئيس مجلس المقدادية عدنان التميمي، وسألناه: لماذا تنمو الداتورة في مدينتك من دون المناطق الأخرى؟، فأجاب: “الغريب أنها موجودة بمناطق متفرقة بالمدينة، ولم نعثر عليها في بستان محدد، غير أن مخاوفنا تزداد مع معرفة الشباب والمراهقين بهذه النبتة التي قد يستخدمونها من باب الفضول والتجربة كمادة مخدرة، ومن ثم تصبح فيما بعد مصدر تجارة قاتل، أنها مشكلة حقيقية اذا ما حاول بعضهم زراعتها والتجارة بها”.

واردف التميمي بالقول “نحن كحكومة محلية دائماً ما نحذر في لقاءاتنا مع المواطنين من مخاطر هذه النبتة، وندعوهم لاخبار الجهات الأمنية عن وجود الداتورة في مزارعهم لغرض قلعها، غير أن المشكلة تتعلق بعدم وجود تعاون حقيقي، وترك الحال على عاتق القوات الأمنية والجهات الزراعية فقط”.

كيف تنمو؟

سبق أن تم العثور على مزرعة قرب كركوك تحتوي على 30 شتلة داتورة، وقد تم اتلافها من دون العثور على الأشخاص الذين قاموا بزراعتها، وفي محافظة واسط تم ضبط المزيد من الشتلات، وكذلك بمناطق أخرى، لكن السؤال المهم، هو كيف تنمو الداتورة من دون تدخل الإنسان؟
الأستاذ في كلية الزراعة/ جامعة بغداد د.أحمد طالب تحدث لـ”الشبكة” عن خواص الداتورة، وقال “تنمو بذورها قرب أكتاف الأنهر، لأن الماء هو الناقل الرئيس للبذور، فتنغرس جذورها الطويلة مع ارتفاع الماء وتنمو بسرعة مع انخفاضه، كما أن بذور الداتورة تنتقل أيضاً عبر الهواء فنراها في البساتين والمناطق النائية، ولا صحة لما يتداوله بعضهم من أن الأمريكان زرعوا هذه النبتة خلال وجودهم العسكري في العراق”. وأضاف “الداتورة ليست نبتة مخدرة من الناحية العلمية، لكن وبطريقة معينة يتم استخراج المواد المخدرة من بعض أجزائها، ومع هذا فهي تسبب التسمم للإنسان والحيوان، وعلى الجميع معرفة شكلها للحذر منها”.

زيادة الطين بلة

على العكس مما دعا إليه د.أحمد، يرى الناشط المدني محمود الجبوري، وهو إعلامي أيضاً من محافظة ديالى أن “معرفة المواطنين بنبتة الداتورة قد يشجع ضعاف النفوس على زراعتها، خصوصاً أنها بدأت بالانتشار بشكل لافت في ديالى”. وأضاف الجبوري في حديثه لـ”الشبكة”: بحسب قربنا من الجهات الأمنية في المحافظة، فأن نسب تعاطي المخدرات في ارتفاع، ونسمع اليوم عمن يبحث عن (الأبيض) وهو مادة الكرستال المخدرة أو (الأسود) وهو مادة الترياق المخدرة أيضاً، وقد تكون الداتورة مصدراً جديداً لرفع نسب المتعاطين أو المتاجرين بالمخدرات، لذا فأن الافصاح عن شكل ونوعية هذه النبتة سيزيد الطين بلة”.