انتهاء الحرب بقبلة !
آمنة عبد العزيز/
الحب والحرب نقيضان اختلفا وتعانقا رغم أنف الصراعات ، ففي كل الحروب الهوجاء تولد من بين مخاضاتها أقحوانة حمراء بلون ذاك الدم المسفوح من قلب مقاتل لترتوي شفاه أرض معركة الحب الأبقى، ولم تكن الممرضة الأميركية (جريتا فريدمان)، صاحبة أشهر قبلة بالتأريخ، سوى امرأة عاشقة تنتظر حبيبها البحار بثوبها الأبيض في ميدان التايمز في نيويورك ليعلن بذات اللحظة في 14 أغسطس عام 1945 استسلام اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية وليلتقط المصور (الفريد أيزينستات) تلك القبلة الشهيرة. هذه القصة جعلتني أراجع تأريخ الحروب البشرية وأقف عند آلة الحرب الشنيعة التي سحقت ملايين الأرواح العاشقة حين داست مجنزرات الفناء على عشرات الشفاه الملتصقة بالعناقات لتتحول الى شواهد معنون عليها: مجهولو الهوية!
كنت أرى في تلك القبلة التي قالت عنها بطلتها جريتا: ( كانت قبلة مخجلة حقاً وسط ميدان التايمز حتى كدت أختنق من شدتها)!
وهنا أرد على جريتا فأسألها:
كم هي مخجلة تلك الحروب المدفوعة الثمن من وجوه البشر بكل الأعمار والألوان؟
كم هي مخجلة تلك الحروب التي أحرقت الورد وقطعت رؤوس النخيل وأجهضت الأفراح وقطعت أثداء الأمهات وصادرت الابتسامات وثكلت الأرض وغيّرت مسارات الأنهار نحو المجهول؟
كم هي مخجلة تلك الأشلاء المتناثرة وهي تجمع في أكياس قمامة ويشار لها برقم لاقيمة له!
عزيزتي جريتا
الحروب والقبلات لاتلتقيان والعناقات باتت ذاكرة قديمة، نحن، ونحن فقط، من يبحث في السر عن قبلة بحجم الحروب التي لم تخجل من قتلنا وسفك فرحنا بكل دم بارد!
أنا وأنا وأنا وكثيرات من نساء فتحنا أعيننا على الحروب وأنجبنا الأبناء من رحم الترقب والأنتظار للحظة سلام تعلنها امرأة عربية بثوب أخضر لايشبه ثوبك يا جريتا، بل يشبه تلك المساحات الشاسعة الخضراء في قلوبنا، ونبحث عن قبلة لاتنفك عن الأرض تعانق مابقي من الحب، عندها سيقبّل كل النخيل فم الوطن.